8.2.14

مات أبي


مات أَبي



قُلتُ لِما بقيَ منِّي : الأَسرابُ الثقيلةُ لا تطير
فــــ مع أَيَّـةِ قافلةٍ وصلتْ هذهِ الأَرضُ ؟
وكيف اعتلاني- على البعدِ – نعشٌ ..
وأَنا مُجرَّدُ نقطةٍ ميِّـتةٍ فوقَ حفنةٍ من فراغ ؟

الوزنُ كذبةٌ في المداراتِ ..
والبقاءُ خديعةُ التربةِ الراحلة ! 

لم يكنْ لي في المكانِ وقتٌ ..
لكي آخذَ حصَّتي من التيهِ أَو الانتماء
وليس لي في الزمانِ بلادٌ ..
لكي أَمتطي ساقيةً تُـمرِّغُ وجهَ الدقائقِ بالوحلِ والدوار    

طاولةُ الزهرِ .. شجرةٌ يتيمةٌ كــــ لُعبتنا الأَخيرةِ
كم كانت تتسلَّى بضحكتِنا الحجارةُ !
وكم كانتْ تغارُ منها جُدرانُ البيوت !

المسافةُ .. كومةٌ جائعةٌ من الوداعاتِ والأُمنياتِ العالقة
فاتركني يتيمًا على حافَّةِ القبرِ ..
أُقيمُكَ حُجَّةً على فلسفةِ البُعدِ
وأَراكَ بصمتٍ رغمَ أَنفِ التراب
 
الضياعُ .. نورسٌ لم يَعثر على البحرِ ..
فأَنفقَ أَجنحتَهُ فوقَ مساراتِ النعوش
هكذا .. نسيتُ عَينيَّ على نافذةِ الطائرة
وقد كانتا تُسابقانِ غيمتيْنِ إِلى تُربتك

الغرقُ .. وجهي الذي نسيتُهُ بينَ كفَّـيْـكَ يومَ أَوصيتَني بِأُمِّي
كم كنتُ أَخافُ عليكَ حينَ تسأَلُ !
وكم كنتُ أَخافُ منكَ ..
حينَ أَقولُ - كاذبًا - إِنَّني بخير !
 
الكفرُ .. أَرضٌ كَفَّنها في غيابِكَ الثلجُ ..
ولم تُكرِمْها بالدَّفنِ المداراتُ
فاخرجْ طاهرًا من جُـثَّـةِ الكونِ ..
خُروجَ المعاني من قيدِ الحروف
واخرجْ مُبعدًا من لوثةِ الجُرحِ ..
خروجَ الروحِ من بؤْسِ الأَنين

الضلالُ .. طريقٌ أُفقيٌّ لا يُدركُ أَسرارَ الصعودِ      
فاكتملْ وحدَكَ في تقاليدِ التسامي
ولا تنتظرني في طريقِكَ الأَبيضِ إِلى الله

أَنا النُّـقصانُ ، أَتآكلُ مع الوقتِ كجدارٍ حزين  
أُدرِّبُ الفراغَ على فنونِ الانكماشِ لأَنَّـني صَغُرتُ
أُخبِّـئُـني فيكَ وعدًا على شجرةِ البرتقال  
لم أَعد أَحتاجُ بئرًا خلفَ نافذتي ..
لكي أَرى وجهي غارقًا بين أَغصانِ اللَّيمونةِ المُتعَبة
ولم أَعد مُلزمًا بما بقيَ منِّي
فليكنْ هذا الرثاءُ رثائي
ولتكن هذهِ الأَرضُ الثقيلةُ سربًا طويلًا
من قبورٍ طائرة !  

دوائر

دوائر


تَسقُطُ أَيَّامي في البئرِ المشاع 
يرتفعُ نصيبي من الاختناقِ كلَّما تقلَّصتْ المسافةُ بيني وبين وجهي الغريب !
ذاكَ الذي يراني عالقًا في الجفافِ وسببًا للكسوف  
ذاكَ الذي أَراهُ عائمًا فوقَ دمعةٍ تكبرُهُ بمسافتينِ وحكايةٍ غامضة  
يَتَّسعُ مع الدوائرِ ، ثمَّ يختفي .. كشائعة  
تلكَ طريقةُ الآبارِ في صنعِ النهاياتِ العجيبة !

أَربطُ ظِلِّي بقدميَّ حينَ أَنظرُ إِلى الماءِ .. فأَخدعُ التراب   
قالتْ بُقعةُ الضوءِ :
لا تضربْ رأْسَكَ بالجدارِ لكي تُعانقَ وجهَكَ الآخرَ
الأَشجارُ لا تحتضنُ ظِلالَها إِلَّا حينَ تسقط

سوفَ يُنكرُني هذا المساءُ إِذا تفوَّهتُ بكلمةٍ من نور
كما يُنكرني الموتُ كلما وقفتْ في طريقي إِلى البئرِ نافذةٌ ..
لكي تتأَمَّلَ ما ورائي     
أَنا الحريقُ ، أُصادقُ العتمةَ لكي أَحرمَ الموتَ من مُتعةِ المُباغتة
هكذا .. تُصادقُ نجومَها الليالي   
وهكذا .. تصعدُ الأَشجارُ إِلى الآخرةِ فُتاتًـا
فلا تموتُ واقفةً ..
إِذا تنازلتْ عن حقِّها في أَن تتحوَّلَ إِلى تابوتٍ أَنيق 

أَنا الصمتُ الذي تقولُهُ سرًّا صورتي في الماء  
لا أَرى الجذورَ ، أَسمعُها تقولُ : البلادُ جميلةٌ فقط فوقَ التراب 
لا أَرى الجدارَ ، أَسمعُهُ يُوزِّعُ شُقوقَهُ على عموديَ الفقريِّ
لا يُخبِّئُني إِلَّا من جهةٍ واحدة
أَنا المكشوفُ للشمسِ
تُلقي بِرأْسي وهمًا على المياهِ الراكدة
وأَيَّامي الحجارةُ في البئرِ المشاع
  
 


في المقهى العتيق

في المقهى العتيق


عائدًا إِلى "جفرا" .. كغبارٍ ثقيلٍ ..
راكدٍ على أَوتارِ العودِ الفقيرِ في آخرِ المقهى
تنفُضُني ريشةُ العازفِ ، فأَتراكمُ مع "لِسَّه فاكر" ..
على وقتٍ يبيعُهُ الساهرونَ للقلقِ والذكريات !

أَنا الغبارُ الثقيلُ الذي لازمَ الوقتَ حتَّى صارَ وقتًـا      
تخسرُ الريحُ صُحبَتي فتصعدُ وحدَها إِلى الهدأَةِ العالية
لا أَتطايرُ كما تفعلُ الخيالاتُ التي تتخلَّصُ من براءَتِـها على حدودِ الجسد 
لا أَخفقُ كالأَعلامِ التي تـتَّـخذُ من الهواءِ وطنًـا لكي تُوهِمَ الأَرضَ بالاتِّساع
كتلميذٍ بليدٍ ، لا أَرفعُ عن الأَرضِ أَسئلتي ، فأَظلُّ مُبعدًا كعلامةِ استفهام 

النوافذُ هنا لا تدَّعي النُّـبُـوَّةَ ، فلا تجيءُ بالكثيرِ من الضوءِ والأَخبار
الصدى .. توكيدٌ لفظيٌّ للأَنين
والصدى .. جدارٌ خجولٌ يعتذرُ عن امتصاصِ النغمةِ الجارحة

وحدي .. وزحامٌ .. وهمهمةٌ .. وتائهاتٌ جميلاتٌ .. وفوضى
أَتخيَّلُ الجدرانَ مرايا لكي أَراني لونًـا في اللوحةِ الباهتة 
قد أَكونُ صورةً على هذا الجدارِ يومًا !
قد أَصيرُ قِصَّةً تنحتُ فيها المقاعدُ وصفًا دقيقًا ..
لِهَواني على الريحِ ، وقِـلَّـةِ حيلتي أَمام اللحنِ القديم   

واثـقًـا بالفراغِ ، أَنفي البردَ إِلى هيكلي العظميِّ  
لكي أَحمي الدفءَ في كفِّي التي أَتعبَها الانتظار .. !
وأَتركُ حول جسدي حيِّزًا صالحًا لعناقٍ .. لا يجيء !

أَعودُ غريبًا ، يَحُدُّني من جميعِ الجهاتِ المكانُ ، أَصيرُ مكانًا 
أُعاقبُ الشوارعَ بنسيانِ أَسمائِها .. تُعاقبني بالأُغنيات
نتبادلُ العتابَ قليلًا لكي نعثرَ على سببٍ واضحٍ للبكاء

على ساحتي تتوارثُ الأَيَّـامُ العداوةَ مع المستحيل
لستُ طرفًـا في تنافُسِ الأَحداثِ على المواعيد  
أَنا المكانُ العليُّ الذي تتساقطُ دونَهُ حقائقُ الموتِ وأَوهامُ الخلود
تتسابقُ لكي تَـتَـبَـوَّأني مفاهيمُ الهزيمةِ والانتصار
واقفٌ على الحيادِ ، لا تطالُني الريحُ  
ولا تكتبُ أَسماءَها على جبهتي السهامُ الرابحة ! 
= = = = = = = = = =

"جفرا" = مقهى شعبي تراثي وسط مدينة عمَّان 

ساعة

ساعة

كُلَّما سقطتْ من جيبي دقيقةٌ ، يتغيَّـرُ شكلُ الجدار
الساعةُ .. لوحةٌ ناطقةٌ بالصمتِ .. ثابتةٌ بالحراك   
تتأَمَّـلُني الدوائرُ التي تَرسُمها العقاربُ 
وتُـحزِنُـني اللعبةُ القاسية !
كُلُّ دائرةٍ تمحو أُخـتَـها ، ويضجُّ المكانُ بأَنَّـاتِ الوداع
سأَمتلئُ يومًـا بما يكفي من الوقتِ لكي أَعـبُرَ الأَزمنةَ التي لا أَراها
لا بُـدَّ أَن تكوني أَجملَ من ذواكِرِنا أَيَّـتـُها اللحظةُ الكاشفة   
وإِلَّا .. فما جدوى الدَّوائر !  
ما قيمةُ الوقتِ الذي يُـؤَجِّـلُـنا إِليكِ ..
كُلَّما أَضاعَـتْـنـا عُيونُـنا في مجاهلِ الوطنِ الأَخير ؟  
ما قيمةُ البُعدِ الذي يُـؤَجِّـلُكِ إِلينا ..
كُلَّما استدرجـتْـنا إِلى شِعابها .. قوانينُ السَّفر ؟
مُسافرونَ . . مُسافرون
كُلُّ شيءٍ ذاهبٌ نحوي هنا ، وأَنا ذهابٌ دائمٌ نحو الـنَّـوافذِ
الركودُ حِراكُنا نحوَ القِدَم .. والحراكُ ركودي على سطحِ الدوائرِ  
وحدي .. وساعةُ حائطٍ ثكلى وأُمنيتانِ عاجزتانِ عن تَـتـبُّعِ نظرتي 
هذا المكانُ مُؤَقَّتٌ مثل الزمان
ليستْ ليَ الجدرانُ .. والساعاتُ .. والنورُ البخيل ُ
لا تليقُ بـــــ لامبالاتي .. منظومةُ الدوران   
أَنا لا أَسيرُ على خطوطِ الطولِ والعرضِ ، لكي أَجدَ الوطن
وأَنا المُكرَّسُ للتَّـشرُّدِ والضَّياع
لا أَرضى بجزءٍ من شُعاعِ الشَّمس
ولا أَتقاسمُ السَّاعاتِ مع أَهلِ الكواكب 
أَنا البعيدُ عن انفعالِ الوقتِ  ..
تُشبهُني ذكرياتُ الغريبِ مع الأَفعالِ الماضية  
يَجترُّها كُلَّ يوم لكي يُحمِّلَ غَدَهُ ذُنوبَ الفراق
لا تفسيرَ لي في كُتبِ الخُرافاتِ الغريبةِ
أَقولُني بالاستعارة
وأُقولُ ما يَرفَـعُني من المكانِ إِلى خطِّ الزمان   
لا أَكترثُ كثيرًا بالحقائقِ حتَّى حينَ تُدهِشُني
ولا بما تقولُ العلومُ في وجهِ التَّـشابُـهِ بينَ أُمِّـي والشجر
أَو فيما يلتبسُ على ساعةِ الحائطِ من مواعيدِ الولادةِ . . والقِطاف 
لا أَحتاجُني لكي أُدركَ سُرعةَ الفيزياءِ في ربطِ المسافةِ بالزمن
أَنا المطرودُ من مهرجانِ الوقتِ ، أُراقبُ الأَلعابَ كطفلٍ فقيرٍ
مُحاصَرٌ بالتَّـمنِّي ، تَحملُني فوقَ ظهرِها الغمامةُ البيضاءُ
فلا يُـبلِّـلُني المطرُ
يَـعبُرُني الوقتُ سيفًـا لذيذًا ..
يُـجـزِّئُـني إِلى وليمةٍ .. وذكريات !  
فجزءٌ ترثُـهُ جاذبـيَّـةُ الأَرضِ

وجزءٌ يرثُني .. في خانةِ النِّسيان ! 

في ضيافة الأرض

في ضيافة الأرض


تبتعدُ عينايَ عنِّي . . فلا أَراني إِلَّا حين تتعبان
تعودان إِليَّ حين تكتشفان جهلي بما يدورُ في الأَوقاتِ البعيدةِ  
الطرقُ التي تفصلُ بيني وبين جدارِ الحقيقةِ مليئةٌ بالزمان    
ولا شيءَ سواها سوفَ يحملني إِلى الأُفقِ الأَخير
  
أَنا المساحاتُ المُجدبةُ التي تحرثُها الحيرةُ ويزرعُها السُّؤال
وأَنا الذي حين أُثمرُ لا آتي بالإِجاباتِ الصريحةِ    
لستُ الاخضرارَ الذي تشتهيهِ العصافيرُ في السنواتِ العِجافِ
أَنمو على خطِّ الجفافِ ، ولستُ معنيًّـا بأَمطارِ السماء     
ملامحي صنيعةُ الوقتِ ، لا تُشكِّـلُها الفصولُ الأَربعة      
أَنا المُشتَّتُ بين ما يحتاجُ منِّي الكونُ من صبرٍ 
وما أَحتاجُ في غرقي من الأَلوان فلا ينفردُ بيَ الأَزرقُ الوهميُّ 
لا تحتويني أَساطيرُ البقاءِ ، وعيناي اختراقٌ في تفاصيلِ المُؤَقَّـتِ    
تتركاني كثيرًا على شُرفتي . . وتذهبان

يحتاجُني المساءُ لكي يُـعمِّـقَ ظُلمتَـهُ بأَسئلتي   
تحتاجُني الشجرةُ ، لكي لا يضيعَ ظِـلُّها سُدى
ويحتاجُني الوقتُ لكي تَكتملَ دائرتُهُ . .
على هيئةِ عُمرٍ قصير        

عيناي هجرتي من وضوحِ البداياتِ إِلى الغُموضِ العظيم
وأَنا وحيدٌ في غيابِ الموتِ والرؤيا الأَخيرةِ

لو كانت الجدرانُ عاليةً ، لَتَعوَّدتُ على تَأَمُّلِ السماء
واحتفظتُ بعينيَّ في قلبِ غيمةٍ
لكي تقتربا من باطنِ الأَرضِ أَكثر     
لكنَّ القبورَ التي تُزخرفُ المدى . . أَكثرُ إِثارةً للفضولِ
فهي التي تُعيدُ إِلى التُّـرابِ التُّـرابَ . .
وهبي التي تُعيدُ إِلى السماءِ . . أَسماءَ الميِّتين   


في نفس المكان

في نفس المكان


من زمنٍ إِلى زمنٍ . . أُهاجرُ في نفسِ المكان !  
كبقـيَّـةِ الأَرقامِ التي تَخوضُ المُعادلةَ القاسية
عليها أَن تكتشفَ المجاهيلَ يمينًا أَو يسارًا    
وهي ملزمةٌ بالبقاءِ حولَ إِشارةِ التساوي 

كالطِّـفلِ الذي يُلقيهِ الوقتُ في عُروقي كُلَّما كبرتُ
يَصطحبُني معَـهُ إِلى البيتِ القديمِ  
يُجالِسُني تحتَ شجرةِ اللَّيمونِ قربَ البئر
أَنامُ وأَنا أُحدِّثُ أُمِّي عن البلادِ البعيدةِ     
يَشيخُ الطِّـفلُ إذ تَـعـبـرُهُ الحكايـةُ الظالمة   
وحينَ توقظني الأَوجاعُ من وهمِ الرحيلِ . .
أَرانا نَـتآكلُ في نفسِ المكان 
    
كأَوراقِ التقاويمِ التي تَتساقطُ بِـعفويَّـةٍ في أَيِّ فصلٍ
لا يبعـثُـها ربيعٌ ، ولا تَستعيدُها الشجرةُ الثاكلة
تَظلُّ تُـهاجرُ من لونٍ إِلى لونٍ . . على نفسِ التُّراب

مهاجرٌ ، ومكاني اللَّدودُ حولي . .
يُـزاحِمني على اللَّحظةِ المُشتهاةِ    
يَعزلُني عن الرِّيحِ ، فلا تلقى من يَصُدّها حينَ تُسيءُ الـنَّـوايـا    
وتُبعثرُ ما ينتظرُني من التُّرابِ على الصَّخرةِ العالية   

المكانُ المُحاصَرُ بالحقائقِ
لا يرقى لإِنشاءِ حالةٍ مُتكاملةٍ من الوهمِ أَو الخيال ! 
الهواءُ تحتَ سقفِه راكدٌ
أَنتشلُهُ عن الأَرضِ وأُعيدُهُ إِلى رئتيَّ فأَمنحُهُ الحياة

لم أَتمكَّن من إِحصاءِ المساءاتِ في غياب النَّهار
فظلَّ عُمري مجهولًا . .
لا يعرفُهُ سوى الـتَّـعاقُبِ الذي هَجرني في غيابِ النَّافذة  

لا صديقَ للوحيدِ . . سوى أَشياءِ المكان !
والوقتُ ضيفٌ لا يُـقيمُ طويلًا في نهاياتِ الطُّرُق 
جَبهتي تَحتاجُ قُبلةً لكي تَتعرَّفَ على موعدِ النوم    
وكفِّي التي لا أَراها ، تَحتاجُ كَـفًّـا دافئةً غيرَ كفِّي الأُخرى
ولكنَّني . . أَتفهَّمُ حقَّ الهجرةِ في عزلِ المُهاجرِ
فَـهيَّـأتُ وِحدَتي لصداقةِ الأَشياءِ

وأَخضعتُ طُقوسَ وقتي . . إِلى تقاليدِ السَّهر

رجوع

رجوع


مَهووسًا بالبداياتِ . .
أُذكِّرُ زخَّاتِ المطرِ الخائفةَ بنعمةِ التبخُّرِ 
وأَشكرُ جاذبـيَّـةَ الأَرضِ على رِيِّ البذور 
أُراقبُ - من خارجِ السورِ - ما يتساقطُ من الشُّهُبِ اليائسة  
أُعيدُها إِلى أُمَّهاتِها كأَنَّـني أَرجمُ النجومَ بالأُمنيات 
فتكملُ احتراقَها لكي تُنقذَ السماءَ من سوادِ الليلِ وزُرقةِ النَّهار
فتعودُ شفَّافةً بيضاءَ كأَسرارِ الفقير . .
هكذا أَرادَها اللهُ . . غيرَ مُتحـيِّـزةٍ للونٍ أَو حكاية  

الميلادُ بدايةُ الوقتِ . . الموتُ بدايةُ الارتقاء
أُحدِّثُ الشجرةَ العجوزَ عن حاجتي للأَبوابِ والمقاعدِ فأُبدِّدُ حزنَها
أُبشِّرُ النهرَ الذي تُعيقُهُ السدودُ ببهجةِ الاخضرار
أُصادقُ المساءَ ، أَستمعُ إِلى شكواهُ من ظُلمةِ الليلِ
وأَدلُّـهُ على مواطنِ النجوم
أُحرجُ الأَنينَ فَـيُـخجلُهُ الخروجُ من شفتـيْـنِ باسمتـيْـنِ
يلجأُ إِلى الصمتِ . . حين أُسامحُ الأَوجاع

أَتبادلُ الهدايا مع النافذةِ العريضةِ
أُهديها عينيَّ . . فَـتُـهديني البلاد
أَتبادلُ الحُبَّ معها
أَمسحُ عن حُزنها قطراتِ الندى
وتمسحُ عن لياليَّ العزلةَ والنعاس

لو يَتجنَّبُني الموتُ هذا المساء
سيُتاحُ لي أَن أُنـفِّـذ وصيَّتي
فأَمنحُ جسدي هديَّـةً لهذهِ الحياةِ العاطلةِ عن الإجاباتِ
أَستردُّ روحي وأُعيدُ هيكلةَ الأَسئلةِ القاسية
ثُمَّ يختارني فجرٌ غارقٌ بالأُمنياتِ والندى
يَصلُبني على سُؤالٍ مريرٍ
ويتركني فريسةً للشُكوكِ والطُرقِ البعيدة    
فأَموتُ مَهووسًا بالبداياتِ
أُعيدُ صياغةَ النهاياتِ على هواي

وأُبشِّرُ بالمستحيل !