أَزمةُ منتصفِ العُمر
أَعرفُ . .
أَنَّني لن أُثيرَ إِعجابَ العاشقاتِ
اللواتي يبحثنَ عن مزهريةٍ . .
تليقُ بأجواءِ التنافسِ بين غرفِ الجلوسِ
فأَنا أَقلُّ تمدُّنًا من الورودِ الحديثةِ . .
التي قايضتْ أَشواكها بالتجفُّفِ
فَمنعتْ أَريجها عن الصباحاتِ . .
كي تَحمي أَوراقَها من الذبول
لا أَعتني بالحيواناتِ الأَليفةِ . .
كما يفعلُ جزَّارُ حيِّنا !
ولستُ أَليفًا ككلابِ جارتنا . .
حين يرافقوها في نزهةٍ لاصطيادِ المعجبينَ
ولا يتبادلونَ نظراتِ الاستهجانِ . .
حين تختلفُ عن نفسها كلَّ يوم
أَعترفُ أَنَّني . . .
زجرتُ قطَّةً تُنافسُ قدميَّ على ظلِّ شجرة
وحرمتُها من شُربِ دَمِ الحمامةِ . .
التي لجأَتْ إلى نافذتها المُطلَّةِ على ستائري
لكي ترقُدَ على أُمنيةٍ خائفة !
أَحسدُ النجومَ التي لا تدفعُ فاتورةَ الكهرباءِ لصاحبِ
المجرَّةِ
والخرافَ التي لا تحتاجُ وثائقَ من "الأحوالِ
المدنيةِ" . .
لكي تُثبتَ حقَّها في الذبح
أَحجُّ إلى شارعِ الوكالاتِ مرةً كلَّ عامٍ (*)
فَأُقدِّرُ عددَ السنواتِ الضوئيةِ بينَ قميصي
وبهجةِ العيدِ
وأَفهمُ طبيعةَ الفجوةِ الحضاريةِ بين حِذائي وأَناقةِ
الرخام
أُعاكِسُ النساءَ اللواتي يعتدينَ على درجةِ حرارتي
ويُشغلنني عن حلِّ معضلةِ الكلماتِ المتقاطعةِ . .
التي نَسيَ واضِعُها تَسويدَ مُربَّعٍ أو مُربَّعين
يَنقُلنَ المعضلةَ إلى جبهةٍ أخرى . .
فتتفاقمُ أَزمتي مع الكلمات !
أَقترفُ كلَّ يومٍ جريمةَ النومِ دونَ أَن أكتبَ
وصيَّتي
وكيف سيقتسمُ الورثةُ . .
. . "كَنَبَتي" العتيدةَ
. . وأَخبارَ "الجزيرةِ"
. . وكلمةَ السرِّ في المنتدياتِ
وكيفَ سَيَتَصَدَّقونَ ببقيةِ الإِرث
لي أُمنيتان . .
أَن أَفهمَ الهيكلَ العظميَّ للفقمةِ !
وأَن أَقفَ يومًا على آخرِ مِنطقَةِ المطرِ . .
فَيَبْتَلُّ نصفي فقط !
أريدُ حَقِّي مِنْ ذُبابةٍ حَطَّتْ على نافذتي
فَأَجبرتْني على تحريكِ رأْسي
لكي أُكملَ التمعُّنَ في حبَّةِ خالٍ
على خَدِّ كوكبٍ اعتزلَ الفضاءَ
وتقاعدَ على الشرفةِ المجاورة
يُعجبُني مَنْ يتحدَّثُ عن الرشاقةِ
دونَ أَن يكونَ أَفضلَ حالا من حبَّةِ كستناء
فهذا يُذكِّرُني بحديثي عن الوقارِ أَمامَ الصغارِ
يُشبهني حينَ أُقنعُ المراهقينَ بالفضيلةِ ومساوئ
التدخين
يُشَجِّعُني أَكثرَ على انتقادِ طريقةِ معاملةِ . .
القرودِ والقططِ التي تُسافِرُ مع ذويها . .
في المطاراتِ الأَجنبية
لم أَقتنعْ يومًا بدورانِ الأَرضِ !
قَبِلتُهُ لكي أَنجحَ في الامتحانِ . .
وأَتَجَنَّبَ سُخريةَ "العلماءِ" . .
الذينَ يجلسونَ في دُكَّانِ أَبي كُلَّ مساءٍ
ينتقدونَ طريقةَ جيراننا في نشرِ الغسيلِ
ويتعايشونَ في حربٍ باردةٍ على طاولةِ الزهر
يُغيظُني ظِلِّي الثقيلُ . .
حينَ يَسقطُ فَجاةً على سربٍ من النملِ
لأَنَّ الشمسَ أَشرقتْ من وراءِ ظهري دونَ استئذان
فأَتركُ جريدتي . .
وأَنشغلُ بمعرفةِ عددِ النملاتِ . . ومِنْ أينَ جِئنَ
!
لكي أَركبَ موجةَ الحديثِ عن "عظمةِ عالَمِ
النملِ" . .
فأَكسبُ وُدَّ أَساتذةِ المدارسِ
ورؤساءِ الملاحقِ الثقافيةِ للصحفِ
وأُنافِقُ إمامَ المسجد
الأمثالُ الشعبيةُ لم تَعد مضيئةً . .
كما كانتْ قبلَ أَن يَسبِقَني المللُ إلى شُرفتي .
.
لكي نكتبُ معًا هذي القصيدة
"فالبدرُ ليسَ جميلا كوجوهِ النساءِ"
"والذي لا يدري . . لم يَعد يكتفي بكفِّ العدس"
"والعطَّارُ يصنعُ حُبوبًا تُصلحُ بَعضَ ما أَفسدَ
الدهرُ"
"وليسَ كُلُّ الذي فاتَ ماتْ"
لا شيء سَيُبهرُني في حَصادِ هذه الليلة
فالذي نَراهُ اليومَ لم يَحدث اليوم . .
الانقلاباتُ تَنجحُ بَعدَ حينٍ مِنَ المؤامرة
الشعوبُ تعيشُ بعدَ كثيرٍ مِنَ الموتِ
النبتةُ تَظهرُ حينَ تَصلُ البذورُ سِنَّ البلوغِ .
.
تُمارِسُ خِلوتَها الشرعيَّةَ مَعَ الأَرضِ
وتُقنعُ حُبيباتِ الترابِ بإفساحِ الطريقِ
لكي تُقدِّمَ مواليدَها قَرابينَ للعابرينَ
فلا يدوسونَ جذعَها !
لا أَقرأُ الصفحةَ الأُولى . .
في الجرائدِ التي تُحاولُ إقناعي بأَنَّني محظوظ
وأَنَّ عليَّ أَن أُطلقَ "زغرودةً" بين
عمودٍ وآخر
أَو أَن أَموتَ مِن شدَّةِ الفرحِ
أَو أَن أَكونَ من الظالمينْ
لَن أُعجبَ العاشقاتِ . . !
فأَنا لا أَعرفُ أُصولَ العلاقاتِ السريعةِ
التي تبدأُ بابتسامتينِ . .
عندما يتعثَّرُ طفلٌ أَنيقٌ على الرصيفِ المقابلِ .
.
ويشتِمُ والديْهِ
أَو . .
حينَ يَحْمَرُّ وجهُ امرأَةٍ
انكسرَ كعبُها العالي أَمامَ المعاكسينَ
الذين امتدحوا طولَها قبلَ الحدث
لا أَسمحُ لشجارِ جيراننا أَن يُشغلَني عن التفكيرِ . .
بكميةِ الهيلِ اللازمةِ لجعلِ القهوةِ . .
أَكثرَ قدرةً على تحدِّي الصُداع
لستُ وسيمًا بما يكفي . .
للحديثِ عن المغامراتِ القديمةِ
فالمرايا اللاصقةُ في عُيونِ الحاضرينَ
تأْخُذُ أَقوالي على مَحملِ الشيبِ . . والتجاعيد !
فأُضطرُّ لافتعالِ الوقارِ . .
والحديثِ عن الثوراتِ العربية
لا أَمتلكُ مُقوِّماتِ اللهوِ مع الفراشاتِ . .
بسببِ خُشونةِ يديَّ . .
وعدم قدرتي على المطاردةِ
وإِحساسي بأَنَّ الفراشةَ ليستْ سوى دودةٍ راقية !
لا أَملكُ قطعة أَرضٍ على سطحِ المُشتري
ولا أُفكِّرُ ببناءِ بيتٍ بينَ النجومِ . .
لكي أُغازلَ حبيبتي من خلال الأَقمار الصناعية
كلامي ثقيلٌ . .
يَصعُبُ حملهُ في حقيبةِ اليدِ
واستعمالهُ مع المساحيقِ
التي تمنعُ الفمَ من أَن يَضحكَ كما يشاء
لَن تَرصُدَني الجميلةُ . .
التي تبحثُ في المجراتِ عن رائدِ فضاءٍ
يَستلُّ شِهابًا . .
ويأْتيها على ظهرِ طبقٍ طائرٍ
ليخطفها إلى زُحَلْ
ويُثبتُ لها أَنَّ الأَرضَ جميلةٌ عن بُعدٍ
لا أَثَرَ فيها للجحيم !
كيفَ تَرصُدُني ؟ وأَنا واقفٌ هُنا على الأَرضِ ؟
في مطبخي . .
أَصنعُ قهوةً سوداءَ لا سُكَّرَ فيها ولا حليب
وتكفي لشخصينِ . . .
مِنْ قبيلِ الاحتياط !
(*) شارع الوكالات = شارع متخصص ببيع الماركات
العالمية في عمان - الأر