1.5.13

هواؤنا في الليل أسود


هواؤُنـا . . في الليل أَسودُ  


على برودةٍ هادئةٍ . . يـنضُجُ الفجرُ
يُصادقُ لـيلَنا . . ويتجاوران !   
لو كانَ للندى ضجيجٌ . . لأَيقظنا مع النافذة
لكنَّ الهواءَ يتخفَّفُ من أَحمالهِ بصمتٍ . .
لكي يسبقنا إِلى رائحةِ الأَرضِ . . وصحفِ الصباح 

لا جدوى من التصاقِنا بهذا الكوكبِ العبثيِّ
يطوفُ مزهوًّا حول نفسهِ بغباءِ الفراشات   
سنتوقَّفُ عن الدورانِ . .
حين نصيرُ أَقلَّ انشغالًا بالفصول
أَو أَكثرَ رغبةً . .
برؤيةِ أَسماعِـنا وأَبصارنا وبقـيَّـةِ الضحايا . .
يُسابقونَ اللاشيءَ . .
بُـغيةَ الوصولِ إِلى لاشيء أَجمل  

ننحني لقواعدِ الإِعرابِ خوفًـا وطمعًـا بنشرةِ الأَخبار
الليلُ يحمينا من خدعةِ السرابِ وكثرةِ الجهات 
قد نحتاجُ وطنًـا لكي نقومَ بواجبِ الضيافةِ . .
لو عثرتْ علينا حياةٌ . .
أَو . .
لو صادفَـتْـنـا – في طريقها إِلى سهمِ بوصلةٍ - جهةٌ طائشة

الرطوبةُ . . فِكرتُـنا التي تُجادلُ الشموسَ والأَرياح
عَـتْـمـتُـنا سِجنُـنا الكونيُّ . .
الذي لا يحتاجُ جاذبيةَ الأَرضِ
لكي يُسقطَ جدرانَـهُ حولنا . .  
ويُـنقذَنا من شُرورِ أَنفسنا . . وتَعدُّدِ الأَلوان

الكونُ ضَـيِّـقٌ في قواربِ النجاةِ
ما هَمَّنا . .
إِن كان كلُّ شيءٍ يكبرُ مع الوقتِ سوى النافذة !
كيفَ نرصدُ ما حلَّ بـبـقـيَّـتنا إذا تكاثرت المداراتُ ؟
وبُـعثِرَ ما في القبور ؟
هكذا . . همست زهرةٌ لقاطفها . .
قبل أَن يُمدِّدها على قبرٍ أَنيقٍ . .
ويستسلمَ للشوارعِ . . والشرود !

لو كانت رئاتُـنا خارجَ الأَقفاصِ . .
لاتَّـشَحَتْ بالبياضِ كلَّ فجرٍ . .
وربَّما اتَّسَعَتْ . .
لكي تلملم الغبارَ في طريقنا إِلى الصلاة . .    
فــَنَتَـيَمَّمُهُ "صعيدًا طيِّــبًا" ، وننامُ طاهرين !
لكننا – كــَــ ليلةٍ مشبوهةٍ – نموتُ في النهار
لا نرى عيونَـنا . .
لكي نُـعلِّقـها على الحبالِ بيننا وبين الفجر  
أَحلامُنا . . حربٌ خجولةٌ على السكونِ والظلام   
أَعمارُنا . . صالاتُ انتظارٍ
أَوراقُـنا مُحالةٌ إِلى فضيلةِ المفتي
وهواؤُنا . . في الليل أَسود !

خرافة على الطريق


خُـرافـةٌ عَلى الـطَريـقْ


قَـبـلَ أَن تَـكـتـشـفَـنـي المسافـةُ . .
لم أَكن نُــقـطـةً مُـلـقـاةً على حرفِ هجاءٍ  
لكي أَختبرَ قُـدرتَـهُ على الصبرِ . . أَو الـغـناء
ولا قِـصَّـةً تَـبـحَثُ عن شُخـوصٍ
يَـمـنـحونَ فَـصلَـهَا الأَخيرَ دهـشـةً
تَـحميها مِن عُـلُـوِّ الرُفـوفِ . . وسُـرعَـةِ النسيان

كُـنـتُ الـخُـرافَـةَ التي ابـتَـدعَـها أَبـي
لكي يُـبَـدِّدَ وِحـدتَـهُ مع الفَـقـرِ
وَيُـوهِـمَ أَحـفـادَهُ . . بِأَنَّـهم لـيسوا خِـدعَـةً بَـصَـريَّـةً
وبِـأَنَّــني . . لستُ مُـجَـرَّدَ اكـتشافٍ خائِـبٍ
لِـمسافَـةٍ تَـحـتـاجُ نُـقـطَـةً ثـانـيـةً . . لكي تَـكتمل
فَـيـعـتـقـدونَ بِـانـتـسابِـهم إِلى أُمـنـيـةٍ . .
لم يُـفصِح الكونُ عـنـها
قـبـلَ أَن يَـسـتـريـحَ على جُـثـث الـهواءِ
تـاركـًـا عُـمـرَهُ ، وتَـفـاصيلَ مَـوتِـهِ . . لِـلمَجـرَّات

كُـنـتُ الجـنـيـنَ الذي لم يَـلحَـق بِـصـرخَـتِـهِ الأُولى
وقـد وَدَّعَــها على نُـقـطـةِ الـبَـدءِ . .
فَلم يَـتـعـلَّم لُــغَــةَ المسافات
أَخـفـى بينَ السطورِ بَـقِـيَّـةَ الصرخاتِ . .
لكي يُـبـقـي الـخُـرافَـةَ مُلائِـمَـةً
لِـهُـدوءِ الـعـجـائِـزِ . . وَبـراعَـةِ الشُـعـراء

في المسافَـةِ الـتي اتَّـخَـذتْـنـي نُـقـطـةً للانـتـهـاءِ . .   
تَـخـافُ الـتـضـاريسُ من الـفُـصولِ . . والـطُـرُق 
يَـتـوهُ عن هُـوِيَّـتِـهِ الـوقـتُ كُلَّـما داهَـمَـهُ الـمُـؤَذِّنُ  
أَو أَصـابَـتْـهُ - في مَـقـتـلٍ - غَـمـامَـةٌ طائِـشة    
يَـخـتَـلِسُ الـهـواءُ مـا تَـتـبـادَلُ الرئـاتُ من الأَنـيـنِ
يُـردِّدُ الصدى ما نَـتمـنَّـى أَن نقولَ . . !
ثُـمَّ يَـمـوتُ بِـبُـطءٍ على أَطـرافِ الأَماكِن

هُناكَ . .
على مَـقـرُبَـةٍ من الـبُـعـدِ فـيما بَـيـنـنـا
يَـسـقُـطُ ظِـلُّ الـمسافَـةِ على سـيـرتـنا الـغـريـبـةِ  
حتى حين تموتُ الطرقُ التي تُـشتِّـتُ شَملَ التضاريسِ
وتَـتـنـازلُ عن أَسمائِـها  العـنـاويـنُ . .
لا نَـرِثُ من المكانِ سوى طـرفـيـهِ المُـتـعَـبـيْـنِ !     
فـأَنـا . .
الـخُـرافـةُ التي قَدَّمـهـا لأَحـفـادِهِ أَبـي  
حينَ زَوَّرَ صَفحةَ المواليدِ
لكي يَحمي طائِـراتِ الورقِ من الـيُـتمِ الذي يُـعـيـقُـها . .
عن مُناطَحةِ السحابِ . . وصُنعِ المسافات
وأَنـتِ . .
السُؤالُ الذي يُـحرِّرني من حاسَّةِ الوجودِ . .
يُخضعُ بَـقـيَّـةَ الحواسِّ إِلى قانونِ التلاشي . . ولَـذَّةِ الاختفاء
لا تـأْخُـذُهُ - على غَـفـلةٍ - إِجـابـةٌ ماكرة     
يَـظلُّ على الطرفِ الآخرِ من الـبُـعدِ علامةً للـتـعـجُّـبِ
كٌـلَّما غافَـلَ الأَرضَ عـودُ زنـبـقٍ بَـرِّيٍّ
وأَخرجَ من لـيـلِـهـا وردةً بيضاء ! 
    
لن يَـرثَ الكـونُ مـنَّـا سوى المسافـةِ الثكلى  
فنَـحنُ . .  
"لا شيئانِ" يـتـبـاعدانِ حين يـقـتـربـانِ من صيرورةٍ واهمة
قِصَّتانِ تَـئِـدانِ أَبطـالَـهُما على مسرحٍ غيرِ مرئِـيٍّ . . وغيرِ عَـبَثيٍّ
خُـرافـةٌ وسؤالٌ يـبحـثـانِ عن جَدَّةٍ من سُلالةِ الليلِ
تُـتـقـنُ فَـنَّ الـروايـةِ . . والـرثـاء
وَتَـذرفُ كُلَّ لـيـلـةٍ دمـعـتـيـنِ
فالـمسافـةُ ثُـنـائِـيَّـةُ الـطـبـعِ . .
لا تَـقـبـلُ الـقِسمَةَ على نُـقـطـةٍ واحـدة !     

النهار لا يكفي كل البلاد


النهار لا يكفي كلَّ البلاد


التاريخُ . .  
أَنْ تتبرَّأَ وردةٌ من وعائِها الشائِكِ
وتعلنَ أَنَّها لم تَتَعَمَّدْ الوخزَ 
فَتصبح جُزءًا من ثـقافـةِ الحُبِّ
يُجفِّـفُها عاشقانِ
يتبادلانِ – في حَضْرتِها – القُـبَلَ والذكريات

أَن تَـعثُرَ أُمنيةٌ على هَيكلِها العظميِّ
في مُتحَفٍ لِلمؤَامراتِ  
وَأَن تُسهبَ في تَشريحِ جُـثَّةِ الجاهليةِ
حينَ تُسأَلُ . . بِأَيِّ ذنبٍ قُـتِلَتْ ؟

أَنْ يَـغفِرَ الأَطفالُ لِلفَقرِ ما تَـقَدَّمَ مِنْ أَعياد
وَأَنْ يَـثِقوا . . بِما تَـأَخَّر !
أَن يَكتُبوا في مواضيعِ الإِنشاءِ . .   
ما يَجعلُنا نُشفقُ على . .
الأَعداءِ . .
و "الغولةِ" . .
والحرامي !

في الوثائقِ . . يَحارُ في تَـغريبتهِ الرغيفُ . .
أَيُّ النهاياتِ أَكثر مُتعةً من الموتِ . . ؟
فالحصادُ آخرُ أَوجاعِ السنابلِ !
الطحنُ آخرُ أَحزانِ الحُبوب !
الأَفرانُ محرقةُ الدقيق !

المجدُ لا يَحتملُ الزحامَ
ولا يكتفي بِحُسنِ نوايا البُذور . .
التي تُعاشِرُ الطينَ . .
لكي تَستدْرِجَ المطرَ والانتظار !

التاريخُ جَدَّةٌ حزينةٌ لا أَحفادَ لها
تُحَمِّلُ النهرَ حكاياتِها على سُفنٍ من ورق
وتَتركُها رهينةً للوعورةِ . . والسدود !

العرباتُ التي تجوبُ القصصَ بحثًا عن العناوينِ 
لا تَذكُرُ الأَسماءَ حين تدوسُ صفحةَ الوفـيَّات
التاريخُ لا يَـئِنُّ ، إِلا حينَ يَسقُطُ الحُفاةُ
وينتصرُ الآخرون !

الموتى أَقلُّ رغبةً في اختيارِ المكانِ 
نُقطةُ الضوءِ تَضَعهم حيثُ يشاءُ الظلامُ
وكُلما نَهَضوا . .
تَسقطُ ظِلالُهم على قِصَّةٍ مُهملة
سيحتاجونَ دهرًا واحدًا فقط
لكي تَعثُر عليهم النقطةُ الأُخرى . .
فَتحمي ظِلالَهم من السقوطِ
وأَنينَهُم . . من الموت

النهارُ لا يَكفي كُلَّ البلادِ
يأْتي مُتقطِّـعًا
يُعَلِّقُ شمسَهُ بينَ ليلتيْنِ
وكُلَّما دَخَلَ قريةً . .
أَفسَدَ فيها صَمتَها
وَوَزَّعَ ما يشاءُ من الظلالِ . . والأَوسِمة !

الليلُ تاريخُ النهاراتِ البائِدة
تكتبُهُ نَجمةٌ خارجةٌ من السجنِ . .
قبلَ أَنْ يَنثُرَها الحزنُ . .
شُهُبًا على الساهرين

الصمتُ تاريخُ الكلامِ . .
تُدَوِّنُـهُ الأَرضُ الساخرةُ . .
من البذورِ الهجينةِ . .
وأَسمدةِ الغُرباءِ . .
والمشانق !

التاريخُ أَنينُ الكونِ . . والوقتِ
نظرةُ طائرٍ جريحٍ إِلى بُندقـيَّةِ صيَّادٍ أَنيق
صمتُ الناجين من العرباتِ الماجِنة
وطفلٌ . .
يَغرسُ زيتونةً في أَرضٍ محروقةٍ . .
وَيَكبُر . . !

الماء لا يأخذ شكل الوعاء


الماء لا يأخذ شكل الوعاء


لِأَنـنا صدَّقنا أَنَّ الماءَ يعشقُ السقوطَ . . والاستواء
لم نتمكن من رؤية الـتَـبَخُّـرِ . .
ولم نفهمْ طريقةَ المطرِ في انتقاءِ المكان !

الهروبُ انتصارٌ على البوصلة
مللٌ جريءٌ من خطوطِ الطولِ . .
وسطوةِ الشمال  

الغمامُ ماءٌ هاربٌ من الأَسرِ
يُحدِّثُ الفضاءاتِ عن أَهوالِ الأَرضِ
ويعودُ . . حين تناجيهِ الشتلةُ الذاوية

الجَـزْرُ نَـدَمُ البحرِ على ما أَضاعَ من ماء !
يستعيدُ كبرياءَهُ على السواحلِ
ويبكي على ما يَـختـنقُ على أَطرافِهِ
من الصغار !   

المَدُّ قطراتٌ تأْبى أَن يحتويَها الملحُ
تُـقايضُ زُرقـتـها بالعذوبةِ على حاشيةِ الأَرضِ
وتمحو آثارنا عن الرمالِ . .  
فلا يهتدي إِليها الظامئون !

يَتخلَّصُ التائِهُ من عُبوديَّـتهِ للمجرَّاتِ . .
لكي يَـعـثـُر على قدميه !
ومن أَسئلَـتِـهِ . .
لكي يُـنكرَ أَسماءَهُ على الطريق
لا وسيطَ بـيـنَـهُ وبينَ الأَمكنةِ . .
سوى غمامةٍ تَتنازلُ عن شهوةِ العلوِّ
لكي تعـثـرَ على خُطواتِهِ وسطَ الشائعات . .
 
السرابُ بحيراتٌ زاخرةٌ . .
بالظمأِ . . 
والظهيرةِ . .
وخيباتِ الأَمل .

صُورٌ تُـعلِّقها الشمسُ الحزينةُ على جدارِ الأَرضِ
حين تفتقدُ البرودةَ . . والمطر

السماءُ أُمُّ الـبُذورِ . . والـغَـرائِب
الأَرضُ أُمُّ المسافِرِ . . والغريق
الماءُ صُدفةٌ جميلةٌ تجمعُ بينَ الأَرضِ والسماء
نَحنُ الصدفةُ التي تجمعُ بينَ التيهِ والطرقِ اليتيمةِ
نُـؤَجِّـلُ موتَـنـا ، لِأَنَّـنـا لا نعرفُ . .
كيفَ سنصعدُ إِلى أَرواحِنا . .   
والدروبُ كُـلُّـها مُمدَّدةٌ على الأَرض ؟!

الماءُ لا يأْخذُ شكلَ الوعاءِ . .
إِلا حينَ يحزن !
فكلُّ حفنةٍ منهُ تعزلُـهـا الأَواني
تَـخلُدُ إِلى ذكرياتِـها   
تنشغلُ برسمِ خيالاتِ العابرينَ
إِلى أَن يستعيدَها الغيمُ
أَو ينكسرَ الإِناء

والماءُ لا يأْخذُ شكلَ الطريقِ
إِلا حينَ يحزن
فكلُّ دمعةٍ تذرفها المحطاتُ
تظلُّ عالقةً على نافذةِ القطارِ
إِلى أَن يستعيدَها الغيمُ
أَو تنكسرَ المسافةُ بينَ الـمَـنْـبَـعـيْـن !

أزمة منتصف العمر


أَزمةُ منتصفِ العُمر


أَعرفُ . .
أَنَّني لن أُثيرَ إِعجابَ العاشقاتِ
اللواتي يبحثنَ عن مزهريةٍ . .
تليقُ بأجواءِ التنافسِ بين غرفِ الجلوسِ
فأَنا أَقلُّ تمدُّنًا من الورودِ الحديثةِ . .
التي قايضتْ أَشواكها بالتجفُّفِ
فَمنعتْ أَريجها عن الصباحاتِ . .
كي تَحمي أَوراقَها من الذبول

لا أَعتني بالحيواناتِ الأَليفةِ . .
كما يفعلُ جزَّارُ حيِّنا !
ولستُ أَليفًا ككلابِ جارتنا . .
حين يرافقوها في نزهةٍ لاصطيادِ المعجبينَ
ولا يتبادلونَ نظراتِ الاستهجانِ . .
حين تختلفُ عن نفسها كلَّ يوم

أَعترفُ أَنَّني . . .
زجرتُ قطَّةً تُنافسُ قدميَّ على ظلِّ شجرة  
وحرمتُها من شُربِ دَمِ الحمامةِ . .
التي لجأَتْ إلى نافذتها المُطلَّةِ على ستائري
لكي ترقُدَ على أُمنيةٍ خائفة !

أَحسدُ النجومَ التي لا تدفعُ فاتورةَ الكهرباءِ لصاحبِ المجرَّةِ
والخرافَ التي لا تحتاجُ وثائقَ من "الأحوالِ المدنيةِ" . .
لكي تُثبتَ حقَّها في الذبح

أَحجُّ إلى شارعِ الوكالاتِ مرةً كلَّ عامٍ (*)
فَأُقدِّرُ عددَ السنواتِ الضوئيةِ بينَ قميصي وبهجةِ العيدِ
وأَفهمُ طبيعةَ الفجوةِ الحضاريةِ بين حِذائي وأَناقةِ الرخام

أُعاكِسُ النساءَ اللواتي يعتدينَ على درجةِ حرارتي
ويُشغلنني عن حلِّ معضلةِ الكلماتِ المتقاطعةِ . .
التي نَسيَ واضِعُها تَسويدَ مُربَّعٍ أو مُربَّعين
يَنقُلنَ المعضلةَ إلى جبهةٍ أخرى . .
فتتفاقمُ أَزمتي مع الكلمات !

أَقترفُ كلَّ يومٍ جريمةَ النومِ دونَ أَن أكتبَ وصيَّتي
وكيف سيقتسمُ الورثةُ . .
. . "كَنَبَتي" العتيدةَ
. . وأَخبارَ "الجزيرةِ"
. . وكلمةَ السرِّ في المنتدياتِ
وكيفَ سَيَتَصَدَّقونَ ببقيةِ الإِرث

لي أُمنيتان . .
أَن أَفهمَ الهيكلَ العظميَّ للفقمةِ !
وأَن أَقفَ يومًا على آخرِ مِنطقَةِ المطرِ . .
فَيَبْتَلُّ نصفي فقط !

أريدُ حَقِّي مِنْ ذُبابةٍ حَطَّتْ على نافذتي
فَأَجبرتْني على تحريكِ رأْسي
لكي أُكملَ التمعُّنَ في حبَّةِ خالٍ
على خَدِّ كوكبٍ اعتزلَ الفضاءَ
وتقاعدَ على الشرفةِ المجاورة  

يُعجبُني مَنْ يتحدَّثُ عن الرشاقةِ
دونَ أَن يكونَ أَفضلَ حالا من حبَّةِ كستناء
فهذا يُذكِّرُني بحديثي عن الوقارِ أَمامَ الصغارِ
يُشبهني حينَ أُقنعُ المراهقينَ بالفضيلةِ ومساوئ التدخين
يُشَجِّعُني أَكثرَ على انتقادِ طريقةِ معاملةِ . .
القرودِ والقططِ التي تُسافِرُ مع ذويها . .
في المطاراتِ الأَجنبية
   
لم أَقتنعْ يومًا بدورانِ الأَرضِ !
قَبِلتُهُ لكي أَنجحَ في الامتحانِ . .
وأَتَجَنَّبَ سُخريةَ "العلماءِ" . .
الذينَ يجلسونَ في دُكَّانِ أَبي كُلَّ مساءٍ
ينتقدونَ طريقةَ جيراننا في نشرِ الغسيلِ
ويتعايشونَ في حربٍ باردةٍ على طاولةِ الزهر
  
يُغيظُني ظِلِّي الثقيلُ . .
حينَ يَسقطُ فَجاةً على سربٍ من النملِ
لأَنَّ الشمسَ أَشرقتْ من وراءِ ظهري دونَ استئذان
فأَتركُ جريدتي . .
وأَنشغلُ بمعرفةِ عددِ النملاتِ . . ومِنْ أينَ جِئنَ !
لكي أَركبَ موجةَ الحديثِ عن "عظمةِ عالَمِ النملِ" . .
فأَكسبُ وُدَّ أَساتذةِ المدارسِ
ورؤساءِ الملاحقِ الثقافيةِ للصحفِ
وأُنافِقُ إمامَ المسجد

الأمثالُ الشعبيةُ لم تَعد مضيئةً . .
كما كانتْ قبلَ أَن يَسبِقَني المللُ إلى شُرفتي . .
لكي نكتبُ معًا هذي القصيدة

"فالبدرُ ليسَ جميلا كوجوهِ النساءِ"
"والذي لا يدري . . لم يَعد يكتفي بكفِّ العدس"
"والعطَّارُ يصنعُ حُبوبًا تُصلحُ بَعضَ ما أَفسدَ الدهرُ"
"وليسَ كُلُّ الذي فاتَ ماتْ"

لا شيء سَيُبهرُني في حَصادِ هذه الليلة
فالذي نَراهُ اليومَ لم يَحدث اليوم . .
الانقلاباتُ تَنجحُ بَعدَ حينٍ مِنَ المؤامرة
الشعوبُ تعيشُ بعدَ كثيرٍ مِنَ الموتِ
النبتةُ تَظهرُ حينَ تَصلُ البذورُ سِنَّ البلوغِ . .
تُمارِسُ خِلوتَها الشرعيَّةَ مَعَ الأَرضِ
وتُقنعُ حُبيباتِ الترابِ بإفساحِ الطريقِ
لكي تُقدِّمَ مواليدَها قَرابينَ للعابرينَ
فلا يدوسونَ جذعَها !

لا أَقرأُ الصفحةَ الأُولى . .
في الجرائدِ التي تُحاولُ إقناعي بأَنَّني محظوظ
وأَنَّ عليَّ أَن أُطلقَ "زغرودةً" بين عمودٍ وآخر   
أَو أَن أَموتَ مِن شدَّةِ الفرحِ
أَو أَن أَكونَ من الظالمينْ

لَن أُعجبَ العاشقاتِ . . !
فأَنا لا أَعرفُ أُصولَ العلاقاتِ السريعةِ
التي تبدأُ بابتسامتينِ . .
عندما يتعثَّرُ طفلٌ أَنيقٌ على الرصيفِ المقابلِ . .
ويشتِمُ والديْهِ  
أَو . .
حينَ يَحْمَرُّ وجهُ امرأَةٍ
انكسرَ كعبُها العالي أَمامَ المعاكسينَ
الذين امتدحوا طولَها قبلَ الحدث

لا أَسمحُ لشجارِ جيراننا أَن  يُشغلَني عن التفكيرِ . .
بكميةِ الهيلِ اللازمةِ لجعلِ القهوةِ . .
أَكثرَ قدرةً على تحدِّي الصُداع

لستُ وسيمًا بما يكفي . .
للحديثِ عن المغامراتِ القديمةِ
فالمرايا اللاصقةُ في عُيونِ الحاضرينَ
تأْخُذُ أَقوالي على مَحملِ الشيبِ . . والتجاعيد !
فأُضطرُّ لافتعالِ الوقارِ . .
والحديثِ عن الثوراتِ العربية

لا أَمتلكُ مُقوِّماتِ اللهوِ مع الفراشاتِ . .
بسببِ خُشونةِ يديَّ . .
وعدم قدرتي على المطاردةِ
وإِحساسي بأَنَّ الفراشةَ ليستْ سوى دودةٍ راقية !

لا أَملكُ قطعة أَرضٍ على سطحِ المُشتري
ولا أُفكِّرُ ببناءِ بيتٍ بينَ النجومِ . .
لكي أُغازلَ حبيبتي من خلال الأَقمار الصناعية

كلامي ثقيلٌ . .
يَصعُبُ حملهُ في حقيبةِ اليدِ 
واستعمالهُ مع المساحيقِ
التي تمنعُ الفمَ من أَن يَضحكَ كما يشاء

لَن تَرصُدَني الجميلةُ . .
التي تبحثُ في المجراتِ عن رائدِ فضاءٍ
يَستلُّ شِهابًا . .
ويأْتيها على ظهرِ طبقٍ طائرٍ
ليخطفها إلى زُحَلْ
ويُثبتُ لها أَنَّ الأَرضَ جميلةٌ عن بُعدٍ
لا أَثَرَ فيها للجحيم !

كيفَ تَرصُدُني ؟ وأَنا واقفٌ هُنا على الأَرضِ ؟  
في مطبخي . .
أَصنعُ قهوةً سوداءَ لا سُكَّرَ فيها ولا حليب
وتكفي لشخصينِ . . .
مِنْ قبيلِ الاحتياط !

(*) شارع الوكالات = شارع متخصص ببيع الماركات العالمية في عمان - الأر