26.11.13

صباح الخير - 14

صباح الخير (14)


الصباحُ ، أَن تكتشفَكَ المساحةُ
أَنتَ الوزنُ الذي يَختبرُ صبرَ الحقيقةِ ..
وأَنتَ الفراغ  
    
أَن يُفاجأَ المقعدُ الخشبيُّ قِبالةَ البحرِ ..  
بأَنَّكَ لستَ كيسًا من الرملِ
وأَنَّكَ بقيتَ صامتًا طوالَ الليلِ
لأَنَّ البحرَ لا يكترث !
 
أَن تتذكَّرَ خطواتِكَ الأَرضُ
كم كنتَ قريبًا من الماءِ حين اختفتْ !
كم كانَ الليلُ بارعًا في وصفِ النجومِ !
وحازمًا مع فُضولك !

أَن تسأَلكَ تائهةٌ عن عنوانِ بيتِها
فَـتُـنفِقانِ بقيَّـةَ النهارِ .. في مقهىً محايد !   

الصباح .. أَن تراكَ

أَلهذا الحدِّ تَختبرُكَ الحدود ؟ 

صباح الخير - 13

صباح الخير (13)


لا أَعرفُ كيفَ ستكونُ نكهةُ هذا الصباح !
فأَنا ما زلتُ نائمًا ، أَبحثُ عن سببٍ يُـقنعني بأَهميَّـة النهارِ ..
لكي أُغادرَ السريرَ غيرَ نادمٍ على ما بنيتُ طِوالَ الليلِ فيهِ ..
من وِحدةٍ .. ودفء !

هكذا .. وبهذا التواضعِ في صناعةِ المواعيدِ ..
عبرتُ المسافةَ المُستلقيةَ بينَ رحمِ أُمِّي .. ومقاهي المدينة
لم تَعشقْني امرأَةٌ على الطريقِ !
رغم أَنَّني كنتُ أَقرأُ الجريدةَ مرَّتينِ كلَّ يوم !
مرَّةً في صالةِ القادمين ..
ومرَّةً قربَ فنجانِ قهوتي المُرَّةِ السوداء
وفي كلِّ مرَّةٍ كنتُ أَكبُرُ سؤَالًا
حتى بلغتُ من العمرِ أَلفَ سؤَالٍ وثلاثةَ عشرَ صباحًا ويومين !

قد لا يكونُ هذا النهارُ لي .. ! 
فلماذا إِذن .. لا أَتركُ العصافيرَ وشأْنَها ..
تُكملُ نميمتَها على جارتي التي غيَّرتْ شكلَ السياج ؟
ولماذا أُباعدُ بينَ دفَّتيْ النافذةِ المتعانقتينِ منذُ ليلةٍ ونصف ..
لحمايةِ الحلمِ الذي يختطفهُ من عشِّهِ البردُ
كما يختطفُ الموتُ الأَيَّـامَ التي نسيتْ أَن تجيء    
ولماذا أَثقُ بهذهِ الريحِ التي تضربُ الجدارَ
والتي ما كانت لتأتي ..
لولا أَنَّـها أَطاحتْ بما بيني وبين البحارِ البعيدةِ
من أَشرعةٍ .. وأَشجار

وقد يكونُ هذا النهارُ .. لي !
فلماذا أُضيفهُ إِلى أَعمار الورودِ التي تموتُ على أَغصانِ أُمِّها
كلما امتنعتْ العاشقاتُ عن صالاتِ الوصول  
ولماذا .. لا يكونُ ميثاقَ تسامحٍ ..
مع المحطَّاتِ التي تخونُ المواعيدَ
فربَّما يكونُ خلفَ إِحدى نوافذِ هذا العالمِ الحزين ..
من تتردَّدُ في مغادرةِ سريرِها هذا الصباح
لا لشيء ..
إِلَّا لأَنَّـها ظنَّتْ أَنَّ هذا النهارَ ليسَ لها
فحمَّلت أَمانيها على ظهرِ هذهِ الريحِ الخجولةِ
التي تقفُ خلفَ نافذتي
لكي تنقلَ إِلى الحلمِ الراقدِ في عُشِّهِ ..
رائحةَ الحبيبةِ ..
وعتابـًا خجولًا ..
وموعدًا ..
وبعضَ الأُمنيات !
= = = = = = = = = =

صباح الخير - 12

صباح الخير (12)


لم أَتعمَّد إِيقاظَها . .  
كنتُ فقط أُسابقُ الشَّمسَ إِلى نافذتها العالية
لكي أُرتِّـبَ رموشَها بموازاةِ السَّقفِ المُلوَّن
ذاكَ الذي تستخدمُهُ كسجَّادةٍ للصلاةِ كلَّ ليل
وأَحيانًـا . . كدفترٍ للمذكِّرات !
يتدلَّى منه نورٌ يُعينُها على تخفيفِ وهجِ المرايا
التي كُلَّما نظرتْ إِليها . . يحترقُ المكانُ ظمأً
ويتغيَّرُ طعمُ الهواء
  
لم أَتعمَّد إِيقاظَها . .
كنتُ فقط أُباعِدُ بين أَنفاسِها . . بالـقُـبَلِ
لكي أُمرِّرَ إِلى جسدِها جرعةً من الوقتِ
تُـعينُها على اختفائي حين تنتهي صلاحيَّـةُ الفكرةِ الماجنة
أَنا النِّسيانُ الذي لم تلحقْ بهِ ذاكرةُ الوقتِ العَجول
الكائنُ المجهريُّ اللَّاصقُ بعقرب الساعات
أَطوفُ بِحُـرِّيَّـةٍ مطلقةٍ حولَ هزائمي مرَّةً كُلَّ يوم
يهدُرُني على حوافِّـهِ المحيطُ الدائريُّ
أُلاحقُ الأَوطانَ التي تتهرَّبُ من وَداعي      
لا ترصُدني في ضياعي سوى عيون السَّاحرة
ولا أَرصدُ في دوراني حولَ وقتي سوى الزمن الذي يَتحلَّقُ حولها   
لكي يأخذَ مكاني . . على سريرها الكونيٍّ   

لا أَتعمَّدُ إِيقاظها كُلَّ يوم . .
أُحبُّ فقط أَن أَهمسَ بــــِ "صباح الخير"  
ولكنَّ الكونَ يرتطمُ ببقيَّـةِ الأَكوانِ كُلَّما قـبَّـلتُها 
فتصحو على الضجيجِ مهزومةً بالانتشاء !

                           

صباح الخير - 11

صباح الخير (11)


هُناكَ . .
كانَ المساءُ طريقتَكَ المُثلى في التخلُّصِ من الأَلوانِ الباهتة  
كانَ السكونُ وسيلتَكَ الوحيدةَ لتقديرِ المسافات  
لا شيءَ أَجملُ من وقتٍ يَتسلَّلُ إِليكَ خلسةً
ولا شيءَ أَجملُ منكَ وأَنتَ تُنفقُهُ بترتيبِ الأَيَّامِ التي لم تأْتِ بعدُ
وتلكَ التي . . لن تجيء !

كأَنَّكَ لا تأْبَـهُ بقوانينِ اللَّعبِ مع المستحيل !
كأَنَّ طريقَكَ إِلى ما بقيَ منكَ . . قصيرةٌ
كَظلِّكَ الذي لا يتركُ توقيعَهُ على شيءٍ في الغرفِ المُعتمة

كانَ الصباحُ خدعتَكَ المُباحةَ في لُـعبةِ التنجيمِ !
سوفَ تفتقدُكَ الريحُ حينَ تصطدمُ بالقبورِ الفارغةِ . .
أَو بالنوافذِ المغلقةِ على مُعظمِ الاحتمالات !

لستَ شيئًا !
لكي تتعاقبَ عليكَ انفعالاتُ الوقتِ والمكان

لستَ أُغنيةً !
لكي تقرأَكَ الكمنجاتُ في سهرةٍ . .
يُدعى إِليها الميِّتونَ الذينَ أَصابَهمُ الشللُ في انتظارك . !

لا فرقَ بينَكَ وبينَ الوقتِ الذي يَهدُرُكَ على جانبيهِ . .
كِلاكُما يَـتَّـهمُ صديقَهُ بالتلاشي !

لا فرقَ بينَ الطريقِ والعنوان . .
كِلاهُما جاهزٌ للضياعِ حينَ يُصابُ عُمرُكَ بالجنونِ وفُقدانِ البصر !

لا فرقَ بينكَ وبينَ الغرفةِ الضيِّـقةِ . .
كِلاكُما لا يستطيعُ الذهابَ وحدَهُ إِلى القبرِ أَو إِلى دهشةِ الفجر !
 
لا فرقَ بينَكَ هُنا . . وبينَكَ هُناكَ . .
فهناكَ أَنتَ أَسيرُ المكانِ . .
وأَنتَ هُنا . . أَسيرُ الزمان !
= = = = = = = = =   


صباح الخير - 10

صباح الخير (10)


اليوم . . أُريدُ أَن أَفرحَ قليلًا 
هكذا قُلتُ للصباحِ الذي بَدا كغيرهِ من البلادِ
مُصابًـا بعدمِ الوضوحِ . . وكثرةِ الأَعذار

سوفَ أَمزجُ ما بقيَ على شُرفتي من الذكرياتِ . . ببعضِ الأَمل
أَفتحُ الـنَّوافذَ للكونِ لـعلَّـهُ يُعيدُ ترتيبَ ذاتهِ في غُرفتي
فأَعرفُ عُنواني . . وأَزورُني مرَّةً كُلَّ دهرٍ
لكي لا أَنساني في زحامِ الغرائبِ والأَسئلة !

وقلتُ :
أَخرجُ اليومَ إِلى ذلكَ المقهى بكاملِ أَناقتي
أُغازلُ امرأَةً . .
أَجملَ من العُمرِ الذي ظَلَّ مُختبئًا
لكي يَتصاغرَ على مهلهِ بعيدًا عن الأَيَّـامِ الصاخبة
أَكثرَ حنانًا من زهرةِ بيْلسانٍ يتداوى بها الأَعرابُ
وتتباهى بها التلَّـةُ الواثقة !

مُتحلِّلًا من سطوةِ المعقولِ ، أَصنعُ وقتًـا خاليًـا من الدقائقِ والانتظار 
أَجمعُ التفاصيلَ التي أَهدرتُ دمَها في طريقي إِلى الله
هناكَ . . حيثُ كنتُ أَتنازلُ عن ملامحي شيئًا فشيئًا
لكي يَتداخلَ بيَ الملكوتُ
فنسكنُ كِلانا إِلى خُشوعٍ لا يشوبُهُ الخوفُ والاستعارات

أَضعُـها مع جُـثَّـتي في سلَّةٍ واحدةٍ
أُمارسُ – بعيدًا عنها – خطيئةَ الفرحِ
أَشربُ من النبيذِ أُسطورةً أَو اثنتيْن
لكي أَعرفَ طريقي إِلى جُذورِ الكروم وحدي
أَعبرُ الأَرضَ إِليها . . يَتخلَّـلُني الترابُ بلا دليلٍ
لا أُجيبُ على أَسئلةِ الخارجينَ إِليَّ من أَسوارِ العدم
أَتظاهرُ بعدمِ اكتراثي بما يقولُ الحكماءُ في لائحةِ العقوباتِ
أَتجاهلُ الغمامَ لكي أُحدِّقَ في زُرقةِ الغفرانِ أَكثر
لا أَرضى بالمطرِ وسيطًا بيني وبين السماء
أَعدو على جانبِ الأَرضِ لكي أَكشفَ ثَغَراتِ الرِّوايةِ والدائرة
أُجزِّءُ المساراتِ بما يكفلُ عودتي إِليَّ لو خانني الوقتُ
وأَقبلُ بالنهاياتِ شروطًا لتأسيسِ الطريقِ
ولسوفَ . . أَفرح !
= = = = = = = = = =


       

صباح الخير - 9

صباح الخير (9)


اليوم . .
أَيقنتُ أَنَّـني لستُ موجودًا هنا . .
فأَنا ، لا أَرى أَثرًا لأَقدامِ الهواءِ على كتفيَّ
ولا أَعرفُ كيف أَكملَ صُعودَهُ إِلى السقفِ
دونَ أَن تُساعدَهُ رئَتاي على الانتشار !

فقد اكتشفتُ فجأَةً أَنَّـني أَختنقُ وحدي
وأَنَّ بقـيَّـةَ الأَشياءِ حولي لم تَـعُـد بحاجةٍ للبقاء      

ثم إِنَّ جاذبـيَّـةَ الأَرضِ لم تتمكَّن بَـعدُ مـنِّـي
فتنازلتُ عن وزني
لتقليلِ أَسبابِ المَودَّةِ بيني . . وبين التراب
وكتبتُ على جبيني بأَنَّـني لستُ موجودًا
لكي لا يوقِظَني الموتُ فجأَةً
فأَنسى ما عليَّ أَن أَحملَ في جُعبتي . .
من التوقُّعاتِ حينَ أَصعد !  
       
أَذكرُ أَنَّـني لم أَكن هنا حين تَكـوَّنتُ أَيضًـا
فقد عثرتُ على هيئتي مصادفةً
يومَ كتبتُ قصيدتي الأُولى

كنتُ وقـتَـها مُضطرًّا للارتماءِ على ورقةٍ بيضاءَ
فانطبعتْ أَلواني على جزءٍ منها
وظلَّ الجزءُ الآخرُ يبحثُ عن بقـيَّـةِ البياض

ظننـتُـني أَتقنتُ لُـعبةَ التلوينِ بالحروف
ولكنَّـني . .
كُلَّما حاولتُ أَن أَرسمني على هيئةِ حـيِّـزٍ في الفراغ
لا أَجدُ من الهواءِ ما يكفي لكي أَراني
فأَظلُّ بلا بُـعـدٍ ثالثٍ . .
هناكَ . . في مكانٍ ما  
مُـجـرَّد لوحةٍ مهملةٍ على نصفِ ورقةٍ بيضاءَ
لم تتمكَّن من الصعودِ
ولم تتمكَّن من الاكتمال !
= = = = = = = = =


صباح الخير - 8

صباح الخير (8)



اليوم ، جاءَني الفجرُ . .
قبلَ موعدهِ بشارعينِ ، وفنجانِ قهوةٍ ، وسؤال !
ربَّـما لأَنَّـني لم أَنم ليلةَ البارحة . .            
لم يجد حاجةً لانتظارِ مواعيد الدواءِ . .
أَو نشرةِ الأَخبار !

لم أَكن أَنتظرُ شيئًا . .
فأَنا أَعرفُ أَنَّ نافذتي لا تُحبُّ المفاجآت !
وأَعرفُ أَيضًا ، أَنَّ الليلَ  - كغيرِهِ من علاماتِ التعجُّبِ –
لا يصنعُ خبرًا . . إِلَّا في المنام !

كنتُ فقط ، أُشفقُ على ذلكَ الوجعِ المسكين
الذي قضى الليلَ ساهرًا . .
لعلَّـهُ يَحظى بِآهةٍ يُعلِّـقُـها وسامًا
يُفاخِرُ بهِ ابتساماتِ الليلةِ القادمة !      

فساهرتُـهُ وفاءً للصداقةِ . .
وخوفًـا على جُدرانِ الغرفةِ الهادئـةِ من صُداعِ السكون !  

الأَوجاعُ حوارٌ غيرُ علنيٍّ بين الوقتِ والوقتِ الذي يليه !
كلاهُما لا يكتفي بالزمن . . !
وكلاهما يُحاولُ أَن يمتلكَ المكانَ  
والمكانُ وهمٌ . .
لا تتحسَّسُ أَبعادَهُ روحٌ أَسيرةٌ
ولا تَـفهمُ كُنهَهُ العيونُ الشاردة !

كلُّ شيءٍ في الغرفةِ كان موجوعًا . . سواي !
فالسريرُ يتأَوَّهُ من كثرةِ تَـقلُّبي على جانبيهِ
الستائرُ أَتعـبَـها الفتحُ والإِغلاق
الجدرانُ أَرهقَها النورُ الخافتُ . .
وقد أَسقطَ على هدوئِها الكثيرَ من الظلال   
والكُرسيُّ الـهـزَّازُ ظلَّ – دون جدوى –
ينتظرُ انعتاقَـهُ من اللعبةِ الساذجة !
حتى فناجين القهوةِ تذمَّرتْ من كثرةِ الذهابِ والإِياب
فلم يبق في المحيط أَحدٌ قادرٌ على الغناءِ
والتـنـقُّـلِ بينَ الساهرينَ بـخـفَّـةٍ . . إِلا أَنا !

ولأَنَّـني لم أَكن أَنتظرُ شيئـًا . .
ولأَنَّـهُ لا شيءَ ينتظرني . .
لم أَكترثْ بمواعيدِ الفجرِ
ولم أَنتبه لطريقةِ الشمسِ في رسمِ التلال
فاجأَني – بسطوتِـهِ - النهارُ
فلم أَجد ما أَكـتُـبُـهُ . . لخاطرةِ الصباح !        
= = = = = = = = = =

   

صباح الخير - 7

صباح الخير (7)


اليوم . .
تذكَّرتُ أَنَّـنـي نسيتُ أَن أُحبَّ !
وأَنَّـني لا أَعرفُ عن هذا الـتـوتِّـر الجميلِ . .
سوى قصصٍ يتداولها الأَصدقاءُ أَحيانًـا . .
وبعضِ الظنونِ التي كانت تُراودني . .
حين تبتسمُ أَمامي صبـيَّـةٌ في الطريقِ
أَو حين أُصادفُ أُخرى في يومٍ واحدٍ . . مرَّتـيْـن

ولأَنَّـني أَعرفُ ملامحَ وحدتي جيِّدًا . .
ولأَنَّـني أُدركُ دِقَّـةَ الحياةِ في رسمِ الأَماني . .
فقد ظلَّت الظنونُ ظنونًـا . .
وحافظتْ على أَناقتها حيرتي . . بالابتعاد !

وتذكرتُ أَيضًا . .
أَنَّ للسماءِ لونينِ لا يجتمعان
إِلَّا حين يكون الجوُّ غائِمًا جزئـيًّـا
فالرماديُّ فرحةُ شتلةٍ لا تعرفُ كيفَ يكونُ إِعلانُ الظمأ !
والأَزرقُ ملاذُ الحالمِ الذي لا يعرفُ كيفَ يتصالحُ مع أُمنياتِـهِ . .
في بياضِ الأَرضِ . . وغربةِ التراب !
وبين هذا وذاكَ . . كنتُ طفلًا
أُخـبِّـئُ قلبي بِـعُشٍّ افتراضيٍّ عالقٍ على شجرةٍ
كبرتُ في البحثِ عنها . . ولمَّـا أَزل !

أَخجلُ حينَ يقعُ ظِـلِّـي على بُـقعةٍ . .
فيحرمُها من نصيبها من الشمس !
وأَخجلُ في الساعاتِ الماطرةِ . .
حين تمتصُّ "كنزتي" نصيبَ الأَرضِ من ماءِ السماء !

لم أَفهم اللونينِ . . فصرتُ ليلًا
لكي أَهربَ من مُحايثةِ التقلُّباتِ في اللونِ والمناخ 
دائِما . . تُـبـعـثرني - بضجيجها - النهاراتُ . .
ودائِما . . تُـلملمني سويعاتُ السهر !

أَذكرُ أَنَّـني سأَلتُ كثيرًا عن امرأَةٍ غريبةٍ
كتلكَ التي تكونُ عادةً مُختبئةً في حدثٍ بسيط
تلك التي تظهرُ فجأَةً كجملةٍ لافتةٍ في حديثٍ قصير
أَكتشفُها مصادفةً . .  
كما تكتشفُ البذرةُ التائهةُ . . حفنةً من تراب ! 
وقلتُ :
أَرسمُ فضاءً يليقُ بقدميها . .
لكي تتجوَّلَ في المعاني كُلَّ ليل . . ! 

أُقلِّبُ المساحاتِ على جبينها . .
لكي تختلسَ السماءُ من عينيها . .
لذَّةَ اللونِ . . وكبرياءَ المطر . . ! 

أَتفقَّدُ خُصلاتِ شعرها . .
كلما داهمتْـها نسمةٌ أَضاعتْ أُمَّها في عاصفةٍ ماجنةٍ  
وجاءتْ تلهثُ باحثةً عن محاريبِ الخشوع . . !   

أُعيدُ ترتيبَ رموشها حين تغفو . .
ثم أَتركهم يتعانقون . .
بِـأُلفةِ السنابلِ . . وانحناءاتِ الشفاه . . !

أَقولُ فيها قصيدةً . .
تَمحو الفوارقَ بين روحها . . والشعر . . !
ثم تحملها على وترٍ فقدَ صوابَـهُ . . وأَعصابَـهُ
هجرَ القوافي لكي يَصيغَها بأَنفاسِ ملحمةٍ
لا يُـقـيِّـدُها فجرٌ أَو غروب . . !

فَـأُقنعُ الحياةَ بأَنَّـني لم أَكن فراغًـا جاهزًا للاختفاء
ولا ليلًا مقيمًا في تفاصيلِ السواد
لم أَكن شيئًـا غريبًـا لا مكانَ لهُ في المداراتِ السريعةِ

لكنني . .
لم أَفهم اللونين . . !
فظلَّتْ شُرفتي خاليةً من الشموسِ والظلال   
نسيتُ أَنَّ العُـشَّ يَـتمرَّدُ على جاذبيةِ الأَرض ِ. .
كُلَّما استطالت الأَغصان
نسيتُ أَنَّ الشجرَ يكبرُ وحدَهُ . . وأَنـا صغير
ونسيتُ أَيضًا . .
أَن أُحبَّ المرأَةَ الغريبة !  
= = = = = = = = =

صباح الخير - 6

صباح الخير (6)


ليستْ كبقـيَّـةِ الورودِ . . !
فأَنتَ لا تحتاجُ أَن تقتربَ كثيرًا من أَنفاسها
لكي تمتلكَ الكونَ بِخـفَّـة ساحرٍ . . أَو ثقةِ مجنون !
تضعُ فيكَ الوجودَ رهينةً . . طيلةَ وقتِ الشهيقِ
تُـغمضُ عينيكَ . . لكي تُـعينكَ على رؤيةِ عطرها . .
وهو يُـغلِّفُ الجهاتِ . . بأَسبابِ الشرود ! 
فيأْتي ضياعُكَ المريرُ جميلًا . .
كأَنَّـكَ تُـقابلُهُ للمرَّةِ الأُولى !
وكأَنَّـكَ – للمرَّةِ الأُولى – . .
تَـعـثـرُ على روحِكَ متورِّطةً بالانتشاء !      
تتعطَّـلُ فيكَ بقـيَّـةُ الحواسِّ . .
لكي تٌـولدَ من جديدٍ . . دونَ ميراثٍ أَو خطايا 
فتتضاءَلُ – على بُـعدها – المسافاتُ بين روحِكَ والعَـبَـق
ولا يحملُ الزفيرُ من جُدرانِكَ إِلى جُدرانِ الأَرضِ . .  
سوى . . ذكرياتِكَ مع الشهيق !

ليستْ أَرضًا . .
فهي لا تُرغِمُكَ على الموتِ لكي تَحضُنك
تُخـبِّـئُـكَ بينَ صدرها والهواء . . 
تُـغطِّيكَ بنظرةٍ تُلملِمُ أَجزاءَها ببطءٍ عن النجماتِ
ثم تُلقيها بين عينيك كطمأْنينةٍ طافت الفضاءَ . .
لكي تليقَ بوحدتك !
تزرعُكَ على كـفِّـها وشمًا . .
فلا تكبرُ هناكَ . . ولا تموت !
لأَنَّـهـا بين هَمٍّ وهَمِّ . . سوفَ ترفـعُـكَ إِلى شفتيها
وتختطفُ من الوقتِ قُـبـلـةً . . فَـتُجَدِّدُك

ليستْ كبقـيَّـةِ الينابيعِ . . !
لا تُرغمكَ على الانحناءِ لكي تَرتوي
فمرَّةً تشربُها . . . ومرَّةً تشربُك
لا تُـبـلِّـل جفافَ حلقِكَ فقط . .
لا تكتفي باقتحامِكَ من فَمك
تعرفُ دروبَـها في كُلِّ المسامات
وتعرفُ كيفَ يتشقَّـقُ جِلدُك لو وقفتْ على الحيادِ  
وكيف يظمأُ التأْريخُ في وقتِكَ حنينًا إِلى سيرتها . .
تلك التي تجوبُـهُ كنهرٍ يُحبُّ أَن يرويكَ
وأَنتَ تَشتهي . . لو يُـغرقُك    
وتعرفُ أَنَّـكَ حينَ يَسقُطُ العالمُ من يدِكَ
ستحتاجُ بئرًا على هيئةِ رعشةٍ لافتةٍ . . لكي تَرفَعك
  
ليستْ كبقـيَّـةِ القصائدِ . . !
فهي لا تَحترقُ فيكَ . . ولا تَحرقُك
حين تشتهيها على غفلةٍ من ذاتِكَ الفقيدةِ . .
أَو مع نِـيَّـةٍ مُسبقةٍ لصُنعِ ملحمةٍ كاذبةٍ تُرمِّمُ فيها بقاياكَ   
أَو حينَ تُحبُّ أَن ترى خيباتِكَ من الجهة الأُخرى
كيفَ سيكتُـبُها المُؤَرِّخُ حين تيأَسُ منكَ المقاهي !
تَـأْتـيكَ بهمسةٍ صامتةٍ تُداعبُ حيرتَك     
تستلقي على ورقةٍ بيضاءَ منسيَّةٍ في الخيال
تقولُ ذاتَـها على مقربةٍ من ريشتِك  
وتتركُكَ حين تنصهرانِ في محبرةٍ واحدةٍ
فتعرفُ حينها أَنَّـك قد توهَّمتَ الضياعَ
وأنها . .
ليستْ سوى امرأَةٍ . .
تَعيشُها . . فتفهَمُك !
= = = = = = = = = = =
تسجيل صوتي