26.11.13

صباح الخير - 3

صباح الخير (3)


اليوم . . ماتَ جارُنا "أبو أحمد"
بـيـني وبـيـنـه ثلاثونَ عامًا . . ورصيفٌ . .
وخرافةٌ لم يـنـتَـهِ بعدُ من سردِها
لكي يُكملَ انتقامَهُ من الحقيقةِ التي أَوجعـتْـهُ . .
حينَ كانَ قادرًا على قولها !

وبيننا أَيضًا غَصَّتان أَخفيتُهُما عنه وعنِّي 
خوفًا على الروايةِ من قسوةِ الفصلِ الأَخير

فغصَّةٌ رفعتُها بعينيَّ على عمودِ نورٍ قربَ بيتهِ
حين قال لولدهِ : إِنَّـهُ ليسَ موجوعًا  

وغصَّةٌ تركتُها أَمام قبرهِ . .
حين أَلقى عليَّ نظرتَهُ الأَخيرةَ
ووعدتُهُ أَن أَعودَ إِلى بيتي
وأَن لا أُنفقَ الليلَ كُلَّهُ مُتسكِّعًـا
بين أَسئلتي الجريئةِ والزوابعِ الحائرة        
تلك الأَرياح الطريدة التي تُغيظُها فكرةُ الوطن !
تُـهَجِّـرُ الغبارَ الآمنَ . .  
تُـعيدُ توزيعَ القمامةِ على طريقِ المساء
فَـيَـتـوهُ أَهلُ الحارةِ عن بيوتهم !
وتحملُ أَيضًا – لو أُتيحَ لها – بعضَ أَوراقِ الشجرِ
لكي تُسمِّدَ غُربتها . .
وتصنعَ لها في دهاليزِ الفضاءِ ظِلًّا

لا أَدري أَيَّــةُ زوبعةٍ تَـعهَّدتْ بِلملمةِ حكاياتِ الرجل
التي نسيها في ذاكرةِ الصغارِ . .
وتهجيرها إلى فراغاتٍ بعيدةٍ عن ذلك الضجيج
الذي تفتعلُهُ الشمسُ لكي تُـثبتَ اختلافَها عن بقـيَّـةِ النجوم . .
بالقيظِ . . وفضحِ التفاصيل !

ولا أَدري إِن كانَ قد أَخذَ معه نظاراتِهِ وحبوبَ الضغطِ والعُكَّاز 
لكي يستمتعَ برؤيةِ الأَرضِ من هناك . .

ربَّما يقتنعُ أَنَّ فيها أُناسا لا يُـقـتَـلون إِلا مرَّةً واحدةً
فيعتذرُ عن شتائِمِهِ التي كان يَكيلُها لي . .  
كلما أَحسَّ بأَنَّـني لا أَتَّـفـق معه على أَسبابِ الهزيمة !  
وربَّما . . يبعثُ إِليَّ بنصيحةٍ وإِكليل  
يُسهِّلانِ مُهمَّتي مع الزوبعةِ القادمة !     

عليَّ الآنَ أَن أَخترعَ طريقةً جديدةً لفهمِ خيباتِ الأَملِ
وأَن أَعثرَ على سببٍ آخرَ للدهشةِ . . والبكاء
لكي أَحفظَ التوازنَ بين الغبارِ . .
وما بَـقيَ في رصيدي من الهواء !

لستُ مُضطرًّا للجلوسِ على ذاتِ الكرسيِّ
لكي أَرى العالمَ كيفَ يَـفـتُـكُ بالجالسينَ عليهِ
كما أَنَّ الزوابعَ ليستْ مُضطرَّةً لتغييرِ طريقِها
ولا للانتظارِ ثلاثينَ سنةً أُخرى . .
لكي تجمعَني ثانيةً بأَبي أَحمدَ
فيُكملُ - على مسامعي - . . 
سردَ خُرافَـتِـهِ الأَخيرة !

تسجيل صوتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق