26.11.13

صباح الخير - 7

صباح الخير (7)


اليوم . .
تذكَّرتُ أَنَّـنـي نسيتُ أَن أُحبَّ !
وأَنَّـني لا أَعرفُ عن هذا الـتـوتِّـر الجميلِ . .
سوى قصصٍ يتداولها الأَصدقاءُ أَحيانًـا . .
وبعضِ الظنونِ التي كانت تُراودني . .
حين تبتسمُ أَمامي صبـيَّـةٌ في الطريقِ
أَو حين أُصادفُ أُخرى في يومٍ واحدٍ . . مرَّتـيْـن

ولأَنَّـني أَعرفُ ملامحَ وحدتي جيِّدًا . .
ولأَنَّـني أُدركُ دِقَّـةَ الحياةِ في رسمِ الأَماني . .
فقد ظلَّت الظنونُ ظنونًـا . .
وحافظتْ على أَناقتها حيرتي . . بالابتعاد !

وتذكرتُ أَيضًا . .
أَنَّ للسماءِ لونينِ لا يجتمعان
إِلَّا حين يكون الجوُّ غائِمًا جزئـيًّـا
فالرماديُّ فرحةُ شتلةٍ لا تعرفُ كيفَ يكونُ إِعلانُ الظمأ !
والأَزرقُ ملاذُ الحالمِ الذي لا يعرفُ كيفَ يتصالحُ مع أُمنياتِـهِ . .
في بياضِ الأَرضِ . . وغربةِ التراب !
وبين هذا وذاكَ . . كنتُ طفلًا
أُخـبِّـئُ قلبي بِـعُشٍّ افتراضيٍّ عالقٍ على شجرةٍ
كبرتُ في البحثِ عنها . . ولمَّـا أَزل !

أَخجلُ حينَ يقعُ ظِـلِّـي على بُـقعةٍ . .
فيحرمُها من نصيبها من الشمس !
وأَخجلُ في الساعاتِ الماطرةِ . .
حين تمتصُّ "كنزتي" نصيبَ الأَرضِ من ماءِ السماء !

لم أَفهم اللونينِ . . فصرتُ ليلًا
لكي أَهربَ من مُحايثةِ التقلُّباتِ في اللونِ والمناخ 
دائِما . . تُـبـعـثرني - بضجيجها - النهاراتُ . .
ودائِما . . تُـلملمني سويعاتُ السهر !

أَذكرُ أَنَّـني سأَلتُ كثيرًا عن امرأَةٍ غريبةٍ
كتلكَ التي تكونُ عادةً مُختبئةً في حدثٍ بسيط
تلك التي تظهرُ فجأَةً كجملةٍ لافتةٍ في حديثٍ قصير
أَكتشفُها مصادفةً . .  
كما تكتشفُ البذرةُ التائهةُ . . حفنةً من تراب ! 
وقلتُ :
أَرسمُ فضاءً يليقُ بقدميها . .
لكي تتجوَّلَ في المعاني كُلَّ ليل . . ! 

أُقلِّبُ المساحاتِ على جبينها . .
لكي تختلسَ السماءُ من عينيها . .
لذَّةَ اللونِ . . وكبرياءَ المطر . . ! 

أَتفقَّدُ خُصلاتِ شعرها . .
كلما داهمتْـها نسمةٌ أَضاعتْ أُمَّها في عاصفةٍ ماجنةٍ  
وجاءتْ تلهثُ باحثةً عن محاريبِ الخشوع . . !   

أُعيدُ ترتيبَ رموشها حين تغفو . .
ثم أَتركهم يتعانقون . .
بِـأُلفةِ السنابلِ . . وانحناءاتِ الشفاه . . !

أَقولُ فيها قصيدةً . .
تَمحو الفوارقَ بين روحها . . والشعر . . !
ثم تحملها على وترٍ فقدَ صوابَـهُ . . وأَعصابَـهُ
هجرَ القوافي لكي يَصيغَها بأَنفاسِ ملحمةٍ
لا يُـقـيِّـدُها فجرٌ أَو غروب . . !

فَـأُقنعُ الحياةَ بأَنَّـني لم أَكن فراغًـا جاهزًا للاختفاء
ولا ليلًا مقيمًا في تفاصيلِ السواد
لم أَكن شيئًـا غريبًـا لا مكانَ لهُ في المداراتِ السريعةِ

لكنني . .
لم أَفهم اللونين . . !
فظلَّتْ شُرفتي خاليةً من الشموسِ والظلال   
نسيتُ أَنَّ العُـشَّ يَـتمرَّدُ على جاذبيةِ الأَرض ِ. .
كُلَّما استطالت الأَغصان
نسيتُ أَنَّ الشجرَ يكبرُ وحدَهُ . . وأَنـا صغير
ونسيتُ أَيضًا . .
أَن أُحبَّ المرأَةَ الغريبة !  
= = = = = = = = =

صباح الخير - 6

صباح الخير (6)


ليستْ كبقـيَّـةِ الورودِ . . !
فأَنتَ لا تحتاجُ أَن تقتربَ كثيرًا من أَنفاسها
لكي تمتلكَ الكونَ بِخـفَّـة ساحرٍ . . أَو ثقةِ مجنون !
تضعُ فيكَ الوجودَ رهينةً . . طيلةَ وقتِ الشهيقِ
تُـغمضُ عينيكَ . . لكي تُـعينكَ على رؤيةِ عطرها . .
وهو يُـغلِّفُ الجهاتِ . . بأَسبابِ الشرود ! 
فيأْتي ضياعُكَ المريرُ جميلًا . .
كأَنَّـكَ تُـقابلُهُ للمرَّةِ الأُولى !
وكأَنَّـكَ – للمرَّةِ الأُولى – . .
تَـعـثـرُ على روحِكَ متورِّطةً بالانتشاء !      
تتعطَّـلُ فيكَ بقـيَّـةُ الحواسِّ . .
لكي تٌـولدَ من جديدٍ . . دونَ ميراثٍ أَو خطايا 
فتتضاءَلُ – على بُـعدها – المسافاتُ بين روحِكَ والعَـبَـق
ولا يحملُ الزفيرُ من جُدرانِكَ إِلى جُدرانِ الأَرضِ . .  
سوى . . ذكرياتِكَ مع الشهيق !

ليستْ أَرضًا . .
فهي لا تُرغِمُكَ على الموتِ لكي تَحضُنك
تُخـبِّـئُـكَ بينَ صدرها والهواء . . 
تُـغطِّيكَ بنظرةٍ تُلملِمُ أَجزاءَها ببطءٍ عن النجماتِ
ثم تُلقيها بين عينيك كطمأْنينةٍ طافت الفضاءَ . .
لكي تليقَ بوحدتك !
تزرعُكَ على كـفِّـها وشمًا . .
فلا تكبرُ هناكَ . . ولا تموت !
لأَنَّـهـا بين هَمٍّ وهَمِّ . . سوفَ ترفـعُـكَ إِلى شفتيها
وتختطفُ من الوقتِ قُـبـلـةً . . فَـتُجَدِّدُك

ليستْ كبقـيَّـةِ الينابيعِ . . !
لا تُرغمكَ على الانحناءِ لكي تَرتوي
فمرَّةً تشربُها . . . ومرَّةً تشربُك
لا تُـبـلِّـل جفافَ حلقِكَ فقط . .
لا تكتفي باقتحامِكَ من فَمك
تعرفُ دروبَـها في كُلِّ المسامات
وتعرفُ كيفَ يتشقَّـقُ جِلدُك لو وقفتْ على الحيادِ  
وكيف يظمأُ التأْريخُ في وقتِكَ حنينًا إِلى سيرتها . .
تلك التي تجوبُـهُ كنهرٍ يُحبُّ أَن يرويكَ
وأَنتَ تَشتهي . . لو يُـغرقُك    
وتعرفُ أَنَّـكَ حينَ يَسقُطُ العالمُ من يدِكَ
ستحتاجُ بئرًا على هيئةِ رعشةٍ لافتةٍ . . لكي تَرفَعك
  
ليستْ كبقـيَّـةِ القصائدِ . . !
فهي لا تَحترقُ فيكَ . . ولا تَحرقُك
حين تشتهيها على غفلةٍ من ذاتِكَ الفقيدةِ . .
أَو مع نِـيَّـةٍ مُسبقةٍ لصُنعِ ملحمةٍ كاذبةٍ تُرمِّمُ فيها بقاياكَ   
أَو حينَ تُحبُّ أَن ترى خيباتِكَ من الجهة الأُخرى
كيفَ سيكتُـبُها المُؤَرِّخُ حين تيأَسُ منكَ المقاهي !
تَـأْتـيكَ بهمسةٍ صامتةٍ تُداعبُ حيرتَك     
تستلقي على ورقةٍ بيضاءَ منسيَّةٍ في الخيال
تقولُ ذاتَـها على مقربةٍ من ريشتِك  
وتتركُكَ حين تنصهرانِ في محبرةٍ واحدةٍ
فتعرفُ حينها أَنَّـك قد توهَّمتَ الضياعَ
وأنها . .
ليستْ سوى امرأَةٍ . .
تَعيشُها . . فتفهَمُك !
= = = = = = = = = = =
تسجيل صوتي


صباح الخير - 5

صباح الخير (5)


هناك أَيَّـامٌ . . تنتهي في الصباح !
وكلَّما كبُرنا . . كلما زادت هذه الأَيَّـامُ عددًا
هكذا قالَ لي العاملُ . .
الذي وقفَ منذُ الفجر مع أَقرانه في الساحةِ . .
وطلعتْ عليه الشمسُ دون أَن يستأْجره أَحد

في الأَيَّـام الطويلة . .
تغربُ الشمسُ شامخةً خلف تـلَّـةٍ أَو بحر

في الأَيَّـام القصيرة . . 
لا تجدُ مكانًـا يليقُ بانكسارها في أَوَّل النهار 
سوى صدور الصامتين في المقاهي
أَو خيبة أَمل الصغار الذين فشلوا هذا اليوم
بمقايضةِ عضلات أَبيهم . .
بقطعة حلوى ، أَو قلم رصاصٍ ، أَو دفترٍ للرسم . .

سوف يكونُ الغروبُ عصيًّـا على الفهم هذا المساء !
من سيحملُ النهارَ على نظراتهِ ويودِعُهُ في مصـبِّـهِ قبل الأَوان ؟
من سيأْتي بالقمر ليُنيرَ الطريقَ من المقهى إِلى لوازم البيت ؟
ومن سيُجيبُ على الأَسئلة ؟

يا ليلةً وصلتْ قبلَ النعاسِ
وقد تخـلَّـتْ عن نجومها ، لكي يكون حِدادُها أَكبر !

يا أَرضًـا تُـغلقُ أَبوابَـها وتـنـامُ . .
تاركـةً بنيها يُطاردونَ الشمسَ وحدَهم !

يا طفلةً تبيعُ أَساورَها . . وبهجةَ العيدِ . .
على أَبواب المدارس !

أَيَّـتُـهـا المدائنُ التي تضيقُ فيها الشوارعُ
لكي تَطردَ عن نوافذها النهارَ . . والنظراتِ البعيدةَ !

يا اختناقَ حفنةٍ من الوقتِ على كفِّ أُمنيةٍ مستحيلة !

كيف ستستعيدُ النهاراتُ أَلوانَـها
وقد تعلَّمتْ الشمسُ أَفانينَ الهروب ؟!

وكيف سيعثرُ على أَحلامنا الليلُ
وقد تجمَّعتْ النجومُ في تابوتٍ غيرِ قابلٍ للاحتراق ؟

وكيف ؟ . .
كيفَ سأُشعلُ ما أَطـفـأَ العاملُ الفقيرُ . .   
على جبهتي . .
حين أَعلنَ في وقتٍ مُبَكِّرٍ . . نـهايـةَ النهار !؟
==================

تسجيل صوتي

صباح الخير - 4

صباح الخير (4)


أَحيانـًا . . أَشعرُ أَنَّـني ما زلتُ على قيد الحياةِ !
لا أَعرفُ سببـًا لهذا الشعور الغريب !
ولكـنَّـهُ راودَني مـرَّةً حين رأَيتُ نافذةً مُضاءةً
في منتصفِ ليلةٍ . . وجدار
ظننتُ أَنَّ خلفها صـبـيَّـةً جميلةً . .
تقرأُ قصيدةً جريئةً لنزار قـبَّـاني
ثم تحتضنُ الكتابَ وتروحُ في حلمٍ عميق
تاركةً نور الغرفةِ لخيالاتِ العابرين
ودفءَ فنجانِ الشاي لزجاج الغرفة الباردة
يلتقطُ منه قطرةً تشبه الندى
لكي تَـسِحَّ على هيئةِ دمعةٍ في الصباح
حين تكتشفُ العاشقةُ الواهمة . .
أَنَّ ما جرى ليلتها . . كان محضَ خيالٍ جريء !

وراودني الشعورُ ثانيةً . .
حين ظننتُ أَنَّـني سأُقابلها ذاتَ ملل
في شارعٍ مزدحمٍ بالسكون !
فتسأَلني عن آخر مـرَّةٍ رأَيتُ فيها نفسي
ولأَنني لن أَعرف الإِجابة . . ستبتسمُ وتذهب  !
وسننظرُ إِلى الخلفِ بعد أَن نفترق . .
تمامـًا كما كان يحدث في أَفلام الغرام القديمة 
التي كانت تأخذنا إِلى كوكبٍ مدهش ٍ
ثم تعيدُنا - بعد انتهاء الفيلم – إِلى جيراننا سالمين

راودني الشعور للمرَّةِ الثالثة . .
حين سمعتُ بأَنَّـها تركتْ المدينةَ  
وأَنَّـني لن أَراها ثانيةً . .
أَحسستُ أَنَّ شيئـًا ما قد أَخذَ مـنِّـي شيئـًا
وأَعطيتُهُ بالمقابلِ حسرةً . . ودمعتين  
فقلتُ : مادمتُ قادرًا على المقايضةِ . .
ففي أَغلب الظنِّ . . أَنَّـني مازلتُ موجودًا
وأَنَّ ذلكَ الإِحساسَ العارمَ بالموتِ
لم يكن سوى وهمٍ انتابني
حين سمعتُ "حصادَ اليوم"
واحتضنتُ خريطةً للوطنِ كانت عالقةً بكفِّي
ورحتُ في كابوسٍ عميق !
= = = = = = = = = = = = =
تسجيل صوتي


صباح الخير - 3

صباح الخير (3)


اليوم . . ماتَ جارُنا "أبو أحمد"
بـيـني وبـيـنـه ثلاثونَ عامًا . . ورصيفٌ . .
وخرافةٌ لم يـنـتَـهِ بعدُ من سردِها
لكي يُكملَ انتقامَهُ من الحقيقةِ التي أَوجعـتْـهُ . .
حينَ كانَ قادرًا على قولها !

وبيننا أَيضًا غَصَّتان أَخفيتُهُما عنه وعنِّي 
خوفًا على الروايةِ من قسوةِ الفصلِ الأَخير

فغصَّةٌ رفعتُها بعينيَّ على عمودِ نورٍ قربَ بيتهِ
حين قال لولدهِ : إِنَّـهُ ليسَ موجوعًا  

وغصَّةٌ تركتُها أَمام قبرهِ . .
حين أَلقى عليَّ نظرتَهُ الأَخيرةَ
ووعدتُهُ أَن أَعودَ إِلى بيتي
وأَن لا أُنفقَ الليلَ كُلَّهُ مُتسكِّعًـا
بين أَسئلتي الجريئةِ والزوابعِ الحائرة        
تلك الأَرياح الطريدة التي تُغيظُها فكرةُ الوطن !
تُـهَجِّـرُ الغبارَ الآمنَ . .  
تُـعيدُ توزيعَ القمامةِ على طريقِ المساء
فَـيَـتـوهُ أَهلُ الحارةِ عن بيوتهم !
وتحملُ أَيضًا – لو أُتيحَ لها – بعضَ أَوراقِ الشجرِ
لكي تُسمِّدَ غُربتها . .
وتصنعَ لها في دهاليزِ الفضاءِ ظِلًّا

لا أَدري أَيَّــةُ زوبعةٍ تَـعهَّدتْ بِلملمةِ حكاياتِ الرجل
التي نسيها في ذاكرةِ الصغارِ . .
وتهجيرها إلى فراغاتٍ بعيدةٍ عن ذلك الضجيج
الذي تفتعلُهُ الشمسُ لكي تُـثبتَ اختلافَها عن بقـيَّـةِ النجوم . .
بالقيظِ . . وفضحِ التفاصيل !

ولا أَدري إِن كانَ قد أَخذَ معه نظاراتِهِ وحبوبَ الضغطِ والعُكَّاز 
لكي يستمتعَ برؤيةِ الأَرضِ من هناك . .

ربَّما يقتنعُ أَنَّ فيها أُناسا لا يُـقـتَـلون إِلا مرَّةً واحدةً
فيعتذرُ عن شتائِمِهِ التي كان يَكيلُها لي . .  
كلما أَحسَّ بأَنَّـني لا أَتَّـفـق معه على أَسبابِ الهزيمة !  
وربَّما . . يبعثُ إِليَّ بنصيحةٍ وإِكليل  
يُسهِّلانِ مُهمَّتي مع الزوبعةِ القادمة !     

عليَّ الآنَ أَن أَخترعَ طريقةً جديدةً لفهمِ خيباتِ الأَملِ
وأَن أَعثرَ على سببٍ آخرَ للدهشةِ . . والبكاء
لكي أَحفظَ التوازنَ بين الغبارِ . .
وما بَـقيَ في رصيدي من الهواء !

لستُ مُضطرًّا للجلوسِ على ذاتِ الكرسيِّ
لكي أَرى العالمَ كيفَ يَـفـتُـكُ بالجالسينَ عليهِ
كما أَنَّ الزوابعَ ليستْ مُضطرَّةً لتغييرِ طريقِها
ولا للانتظارِ ثلاثينَ سنةً أُخرى . .
لكي تجمعَني ثانيةً بأَبي أَحمدَ
فيُكملُ - على مسامعي - . . 
سردَ خُرافَـتِـهِ الأَخيرة !

تسجيل صوتي

9.5.13

صباح الخير - 2


صباح الخير (2)


سوفَ أَتجاهلُ هذا اليومَ حين أَكتبُ مذكراتي !
لأَنَّـني لم أَفهم ما قالت المرآةُ هذا الصباح . .
لذلك الجدار الذي يقفُ خلفي كلما نظرتُ إِليها !

لا أَذكرُ من الحلمِ إِلا صحوتي ويداي فارغتان . .
من ادِّعاءاتِ العـرَّافةِ التي تنـبَّـأَتْ يومًا
بأَنَّ العصافيرَ ستقتاتُ على عروقي
إِذا لم أَعترفْ بحـقِّـها في غزو البساتين
 
حتى رأسي الذي يُـقاسمني السريرَ كلَّ ليلةٍ . .
سمعتُهُ اليومَ يُـفاوضُ شتلةَ النعناعِ على شرفتي . .
لكي يَظلَّ على قيدِ شيءٍ جميلٍ . . كالحياةِ مثلًا !

نادلُ المقهى الذي يُـذكِّرني باسمي  
لم يكن بانتظاري ، فنسيتُ أَنَّـني أَشربُ القهوةَ مُـرَّةً
لكي أَتذكَّر معلمَ البيولوجيا . !

قُلتُ لليوم : أَحدُنا أُفرغَ من مُحتواهُ
واسـتُـخدِمَ وصلةً بين يومين !
أَشعرُ أَنَّ شيئًا ما قد دسَّني بين أَوراقِ التقويمِ
لكي أُهـيِّـئَ الطريقَ لإِغفاءةٍ كونـيَّـةٍ قصيرة
وربَّما . . أَكونُ قد سقطتُ سهوًا من سيارةِ نقلِ الموتى
فوقعتْ عينايَ على هذا الفراغ
ظـنـنـتُـهُ قبرًا واسعًا . . وأَسكرني الانتصار
 
كان من الممكنِ أَن يـتَّـصِلَ أُمسُ بـغـدٍ
دونَ أَن يكونَ بينهما هذا التجويفُ المُمِلُّ
الشوارعُ تَـقـتـني شُرودي . . وأَشياءَ كثيرةً
عُمَّالُ النظافةِ لم يَـعملوا هذا الصباح
فكثيرٌ من الخطواتِ لا تزالُ ملقاةً على الأَرصفةِ
يُحـرِّكها الهواءُ تارةً . . والهوى تارةً أُخرى 

يبدو أَنَّ هذا اليومَ وثيقةٌ زمنيةٌ عاطلةٌ عن العمل
لم أَجد في المقهى صـبـيَّـةً رائقةَ الجمالِ
تُداعبُ خصلاتِ شعرِها وهي تقرأُ رسائلَ الحبيبِ
أَو تُـقلِّبُ – بعصبيةٍ - جريدةً سخيفةً في انتظاره

يومٌ باهتٌ
كأَنَّـهُ تراكمٌ غيرُ شرعيٍّ لمجموعةٍ من دقائقِ الصمتِ
التي يقفُها الوقتُ عادةً أَمامي
حين أَذهبُ وحيدًا إِلى المقهى وأَعودُ منه وحيدًا
لأَجِدَ المرآةَ تحتفظُ بصورتي
والجدار يحتفظُ بمكانِـهِ خلفي
وهما . . يتهامسان !
========================

رابط النص في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?117341-%D5%C8%C7%CD-%C7%E1%CE%ED%D1-(2)



صباح الخير - 1


صباح الخير (1)


لهذهِ الغرفةِ مذاقٌ . . يُشبِهُ الأَواني الفارغة !
والقلقَ الذي يُحيطُ بمواعيدِ القطارات
يُشبِهُ تساؤُلاتِ الجنودِ عن برامجِ القتلِ هذا الصباح
وطرق الوقايةِ من الملل !

الكنبُ يبدو جميلًا . . هنا
شرط أَن تتناسى أَنَّه مُجرَّدُ اسفنجةٍ مضغوطةٍ . .
على هيكلٍ عظميٍّ لشجرة
وأَن لا يُراوِدُكَ في الليل هاجسٌ أَنَّ القماشَ فوقَه
ليس سوى كفن مُلوَّن

قنوات الأَخبار ، مُذيعاتٌ جميلاتٌ . . وموتى ! 
وأَنتَ تُوزِّعُ نظراتِكَ على . .
مساحيقِ التجميلِ . . وسيَّاراتِ الإِسعاف
يبدو الوطنُ كبيرًا حين تَراهُ عن بُعدٍ  
وهذا الطفلُ الذي أَنهى واجباتِهِ المدرسيَّةَ قبلَ النومِ . .
لكي يموتَ صباحًا مرتاحَ الضميرِ . . كبيرٌ أَيضًا

كَجزءٍ مُكوِّنٍ من غُبارِ المكانِ . .
تَطرُدُكَ الغرفةُ بينَ حينٍ وحين . .
لستَ ثابتًا كهذا السقفِ الذي يُقزِّمُك
ولا واقفًا كالجدرانِ التي تُعامِلُكَ كقطٍّ أَليف

يُشبهُكَ ذلكَ اللاشيءُ الذي لا تراه
وتلكَ الغَصَّةُ التي تقتسمُ مع نظراتِ الحبيبةِ نافذةً واحدة  
تُشبِهُكَ حيرةُ التلاميذِ الصغارِ ليلةَ الامتحان
ويشبهك - إلى درجة النسيان – . .
عتبُ العمرِ على الأُمنيات !
======================


رابط النص في ملتقى الأدباء والمبدعين العرب 
 http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?116848-%D5%C8%C7%CD-%C7%E1%CE%ED%D1    

رابط النص في ملتقى الفينيق 
http://www.fonxe.net/vb/showthread.php?t=42630