1.5.13

الحوار الأخير


الحوار الأَخير


تقولُ القيثارةُ للعازفِ القتيل :

اترُكني قُربَ هذا الهواءِ
تُخَبِّئُني الريحُ في مَهبِّها  

يَعزفُني الخُلودُ لحنًا
يُوهِمُنا بالبقاءِ خليليْنِ
خاضعيْنِ قَسْرًا . .
لجاذبيةِ الأرضِ وجُرحِ الوداعْ

اترُكْني قُربَ دهشةِ الورودِ . .
حين تَنكَسِرُ المزهريةْ

أُغازِلُ ما تبقّى منَ الوقتِ
قبلَ اكتمالِ الخساراتِ التي تَختبرُ الصبرَ . .
ودِقَّةَ الأُمنياتِ بتلوينِ أَحلامِنا الخائفة !

اترُكْني قُربَ حيرةِ شمعتي في آخرِ الليلِ
حيثُ تَزْجُرُها الشمسُ
وتنشرُ دمعتي فوقَ سُطوحِ المنازلْ 

اتركني . . .
تُحاكيني مقطوعةٌ ساخرةٌ من وُجودها . .
قُربَ أَنينِ العزاء

أُقيمُ المراثي للعصافيرِ
حينَ تثأَرُ منها ديدانُ الحقولِ تَحتَ التراب

أُلقي عليكَ لحنًا كُلَّ يومٍ
يُغَيِّرُ في مساءاتِنا شَكلَ الغياب

يقولُ القتيلُ :

عينايَ لا تَفهمانِ كُرويةَ الأَرضِ
لا أَراني شتلةً طائفةً في محيطِ السؤال !
لا أَرى كُلَّ الجنائزِ خلفَ أسوارِ الهواءِ الدائريِّ

نافذتي تَقترضُ نِصفَ المشهدِ . . وكُلَّ الضجر !
وأَنا . . كنصفِ نافذتي . .
لا أُجيدُ الاكتمالَ في الوحدةِ القاسية

أَين ينتهي اللحنُ حين نذهبُ ؟
مَنْ يَرُدُّ الصدى . . .
حينَ تَسْقُطُ على الأرضِ أَجسادُنا
ويبقى الهواءْ ؟

لا مكانَ لطيفِكِ المسبيِّ . .
في المدنِ التي تَنسى مَشَاعِرَها طِوالَ الليل
يُؤرّقُها السّعالُ
ويبحثُ الفقراءُ فيها عن مكانٍ أو زمان

لا جسرَ يَحمِلُني إلى اللحن الأَخيرِ متى أردتُ
ولا رثاءَ بِجُعبَتي

لا ترشدي صمتَ الطيور إلى أَطراف نافذتي

أخافُ . .
حين تموتُ العصافيرُ ولا يعبثُ شيء بهذا الخواء
وأخافُ . . .
حين ينتهي وجعي وتعترفُ المرايا بالحقيقة

آه يا قيثارةَ العمرِ الذي ضاقَتْ بِهِ الدنيا . .
وَضَلَّلَهُ البقاء

لا تسأَلي أَوتارَكِ الثكلى . .
عن الوقتِ الذي يَحتاجُهُ الموتى لرصدِ الذكرياتِ
والاحتفالِ بآخرِ الآهات
لا تسأليني . . كم كبُرنا ؟
لم أكن أحصي الهزائمَ . . عندما قَصُر الطريق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق