اللحظة الأخيرة
أَصْمُتُ دَهراً . . وأَربعين
أَنطقُ وقتاً بلا قافية
أَطوي يأْساً . . وأَربعين
خَلْفَ شجرةٍ طائشةٍ
نائمةٍ تَحتَ ظِلِّها خوفًا من الاصفرار
أَحبالُ صوتي مشنوقةٌ حولَ دهشةِ لقاءنا
أَنا لا أُراقِصُكِ
أَيتها اللحظةُ الأخيرة
جَذْعي تَلَوَّى دونَ إرادة . .
حينَ التَقَطْتُ أَنفاسي عن الأرضِ وَقْتَ الرُعاشْ
!
لَمْ أَكُن أَشْتَهيكِ يومَ انْتَحَرْتُ احتراقاً
كُنْتُ أُنيرُ لِساقِيَتي طريقَ الجذورِ . .
في حُلْكَة العَطَشْ !
كُنْتُ أُشْعِلُ جُزْءًا مِنَ الروحِ
حَوْلَ مآقي الوُرودِ التي تَنْتَحِب
كُنْتُ شمعةً . .
تَحْرِقُ خَيْطَها الفقَريَّ طَوْعًا . .
كَيْ تَتَدَلَّى مِنَ الشَمْعَدانِ
وَتَهْمِسَ لِلأَرْضِ سِرَّ الحريق
أَعْرِفُ . .
كَيْفَ تَهْرَعُ إِليكِ المَسَافَةُ
عاريةً من لَذَّةِ الانتظار !
كَيفَ يُحابِيكِ المَوْتُ بِتَقْسيم إِرثهِ !
وأَعرفُ . .
أَنَّ انْشِغالي بِرَسْمِكِ يُوجِعُ اليد
وَأَنَّ انْشِغَالَكِ عَنِّي لا يُؤَرِّقُ حَتْمِيَّتَك
!
لَمْ أَكُنْ أُناديكِ . .
كُنْتُ فَقَطْ أَئِنُّ . .
حين مَرَّ طَيْفُكِ تحتَ الوسادةِ
تَذْكِرَةً . . بِأَوانِ القِطاف !
لَمْ أَكُنْ أَسْتَحِثُّكِ حينَ لَعَنْتُ أَزْمِنَةَ
الانتظار
كُنْتُ فَقَطْ . .
أَسأَلُ الرِّيحَ عَنْ حَمامَةٍ زاجِلة
حَمَّلْتُها في الطُفولةِ حُلمًا . .
وَلَمْ أَجِدْها . . حينَ أَفَقْتُ في الأَربعين
خُذْني بذنْبِكَ أَيُّها البحرُ . .
كَمْ نهرٍ فَقدَ عُذْرِيَّةَ مائِهِ بملحك !
كَمْ بَوْصَلَةٍ أَضاعَتْ أَسْرارَها . . حين
جُنِنْتَ !
وكم "نَجْم سُهيْلٍ" أضاعَ رفاقَهُ حين لَمْ
يَفْهَمْك !
خُذِيني بِذَنْبِكِ أَيَّتُها الريحُ . .
كَمْ شِراعٍ باعَ مَركِبَهُ
وَحَطَّ عَلى جِبالِكِ وقتَ اجتياحِك !
كَمْ بُرعُمٍ حُرِمَ من الرَضَاعَةِ . .
حين هُجتِ بَينَ الغُصون !
كَمْ شَتلَةٍ صَارتْ سَمادًا . .
قَبْلَ أَن تُورِق !
لَمْ أَكنْ خَائِفًا من لَحظَتِيَ الأَخيرَةِ
حين قُلتُ إِنَّني . .
سأموتُ حيًا . . كما تَموتُ التواريخ
وأَعيشُ مَيْتًا . . كما تَعيشُ المباني
كُنْتُ فَقَطْ . .
أُوقِدُ قِنديلًا على كاهلِ الوقتِ
كي أَرى انتشاءَ التَوَحُّدِ . .
بين فصولِ الحياةِ ولانهاية الأَشياء
كُنْتُ أَعبثُ بِأُصولِ التعاقُبِ
حين قلتُ :
بِأَنَّ الفَجرَ شَمسٌ تَسْتأْذِنُ الليلَ كَيْ تَقتلَه
. . !
تُلَوِّنُ لَحظتَهُ الأَخيرةَ بالبرتقال
تُحيلُهُ رقمًا وحُلمًا في ذاكرة
تعالي . . تعالي . .
أَيَّتُها اللحظةُ المُؤَجَّلة
فَقَدْ شَرَّعْتُ أَنَّاتِ الذُنوبِ
أَوْصَيْتُ بِالفَجرِ لِلفجر
كَتبتُ عَلى هَيئَةِ النورِ أُسطورةً
ثَرثَرتُ كَثيرًا على لَحنِ عود
أَوقَدتُ نَارًا على شُرفَةِ العمرِ
وَجَزَّأْتُ رُوحي فُتاتًا . .
وَأَطعمتُها . .لِطُيورٍ لاجِئَة
تعالي . .
فَقَدْ فَصَلَتْ العِيرُ في آخِرِ الأَرضِ
وتناثَرْتُ بُعدًا . . عن القافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق