الغـريـبة
لا نَقولُ للقِطاراتِ عن وُجهتِنا . .
حينَ نُوَدِّعُها في المحطَّات
نكتفي . . بالنزولِ !
فتكتفي . . بالذهاب !
تعودُ الريحُ إلى أَمْكِنَتِنا
أَشواقُنا على ظهرها
تَصْلُبُها على مَذْبحِ العُقوقِ
تترُكُها . .
تحتَ بُذورٍ تَمَرَّدَتْ على الوأْدِ
صارتْ أَشجارًا . . وملعبًا للطيور
نَظَلُّ هنا . .
لا نَعرفُ كَيْفَ نأْتي !
هذي الممراتُ . . مُخَصَّصَةٌ للذاهبين
!
سَأُحاوِلُ أَن أَضيعَ هذه الليلةَ
رُبَّما . . تَعْثُرُ عَلَيَّ تلكَ الغريبةُ
التي تجوبُ ذاكرةَ المَحَطَّاتِ كُلَّ فَجْرٍ
بَحْثـًا عَنْ أَشْعارِها
وما تَذبَحُ القطاراتُ فيها . .
مِنْ أَنْفاسٍ . .
أَوْ دَهْشَةٍ . .
أَوْ . .
مسافات
ستُحِبُّني . .
سَتَأْخُذُني مِن الوَقْتِ الذي يُسَلِّمُ نفسَهُ
لِعَقارِبِ الساعاتِ
ولُهاثِ الأَرضِ
وأَمْزِجَةِ الشُموسِ
ودِقَّةِ الأَعْمار
أُحَدِّثُها عَن الحُلمِ الذي نَسِيتُهُ
حينَ أَفَقْتُ . .
ولا زِلْتُ أَنْتَظِرُ الليلةَ القادمة
عن النجمةِ التي حينَ عَشِقَت الأَرضَ
تَسَاقَطَتْ شُهُبًا
فَأَظْلَمَ ركنٌ في سمائي . .
وتُهْتُ في عَتمةٍ قاسية
يا غريبةُ . .
يا فَرحةً تناقَلَها العمرُ طويلًا كالشائعات
يا قُبْلَةً تاهتْ حينَ حَنَثَتْ بِوَعْدِها الريحُ
يا ارتواءَ السماءِ من مطرٍ . .
لا يكترثُ بجاذبيةِ الأرضِ
يا روعةَ نورٍ يَثْقُبُ ليلًا
يَصِلُ الأَرضَ بالسماءْ
أَيَّتُها الغريبةُ . .
يا لُقياكِ في هذا الضياع !
يا آخرَ الوداعاتِ !
يا ليلةً تَسْحَبُ نَفْسَها مِنْ عُمرٍ الذهابِ . .
تَحْتَفي بالقدومْ
أيتُها الخارجةُ عن اللحنِ
يا غريبة . .
سأَظَلُّ هائِمًا خَلفَ وهمِ الظلالِ
أَنْسى عناوينَ النجومِ
وما تُعلنُ المحطاتُ من مواعيدَ
وما تُوَزِّعُ من خرائط
أَتْرُكُ الأَرضَ تَدورُ كما تَشاءُ لها الفصول
أَتْرُكُ الشمسَ تُنيرُ أَو تَحْرقُ ما تشاء
أَهْجُرُ الزمنَ الذي يَصْهَرُ بُؤسَهُ وأَوجاعي
يَصْنَعُ مِنهُما انتظارًا وذاكرة
أَفلتُ مِنَ الجهاتِ التي تَعرفُها البَوْصَلة
أَتَناثَرُ على أَرضٍ تَمحو دُروبَها
لكي تُعاقِبَني . . بالضياع !
سَأَضيعُ لأَجْلِكِ هذا المساء
فاعْثُري عَليَّ أَيَّتُها الغريبةُ . .
قُربَ أَشعارِكِ الغامضة
وأَنفاسي التي قَطَّعَتْها القطاراتُ
وسُخْرِيتي من الموتِ . .
الذي يَزورُني كُلَّ يوم !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق